نجمة الليل دموع الورد كن مختلفا وقشر البرتقاله بالملعقه .... لـ(قدوة الصديقين) ][ ... المنتدى الإسلامي العام ... ][



التميز خلال 24 ساعة
العضو المميز الموضوع المميز المشرف المميز المشرفة المميزه
قريبا
بقلم :
قريبا قريبا

العودة   ..]] منتديات الحويرات [[.. > [:. الأقسام الرئيسيه .:] > ][ ... الرف الأدبي ... ][

][ ... الرف الأدبي ... ][ •• قصص، روايات، كتب، شعر وخواطر ••

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 08-26-2010, 06:46 AM   #11
تتدلى من عنآآآقيـد " السمآآآء . . !
 
الصورة الرمزية يتيمة علي

الدولة :  ..// اللآمكآن // ..
هواياتي :  كل شيء غالباً ماعدآ كرهـ القدم هع

مشاهدة أوسمتي

يتيمة علي غير متواجد حالياً
Ss70013


الاثنين 28 | صفر | 11 هـ :



دهمت الحمّى الجسد الواهن ، والروح العظيمة توشك على الرحيل ؛ القلب الكبير يخفق بعنف .. واخفقت مياه الآبار في اطفاء النار المشتعلة ..

ارتفع صوت بلال يدعو إلى الصلاة ... وخف بلال الى بيت الرجل الذي علّمه كيف يحيا ... وقف إزاء الباب وهتف بشوق :

_ الصلاة يرحمكم الله .

قال النبي وهو ينوء تحت وطأة الحمّى :

_ يصلّي بالناس بعضهم فإني مشغول بنفسي .

هتفت عائشة : مروا أبابكر !
وهتفت حفصة : مروا عمر !

وتألم النبي فما يزال اصحابه في المدينة وقد أمروا بالجهاد .. مايزال جيش اسامة في المدينة وقد أمر أن يذهب إلى تخوم « البلقاء » .


ونهض رسول الله ... وساعده علي والفضل ... وكانت قدماه تخطان في الأرض ...ووجد صاحبه في الغار في المحراب فنحّاه .. وعاد النبي إلى منزله ينوء بحمى الرحيل ...


وضع النبي رأسه في حجر اخيه ... وتوهجت الذكريات البعيدة تذكر مشاهد مضيئة ... انبعثت من بين غبار الأيام وتراب السنين ...
تذكر يوم كان صبياً في حجر محمد ...
تذكر رحلاته إلى جبل حراء ويوم هبط جبريل يحمل آخر الرسالات ...
وتذكر اللحظات التي ودّعه فيها يوم فرّ من مكّة ...
تذكر سنوات الجهاد والعناء ... ويوم تحطمت الأصنام وعنت الوجوه للواحد القهّار ...

ها هو محمّد صلى الله عليه وآله وسلّم يذوي ... يخبو بريق عينيه ... يشع اسمه في القلوب ... كل القلوب ... نهضت فاطمة احتراماً للرجلين ابيها وبعلها .. احتراماً للحظات الوداع ... بعد رحلة طويلة ناهزت الثلاثين سنة ونهضت النسوة احتراماً لفاطمة ...


لم يبق في الحجرة الطينية سوى محمد وعلي وكلمات الوداع ... جلست فاطمة عند عتبة الباب .. في استسلام كامل للقدر وانبعثت كلمات محمد الأخيرة ... السماء تخيّره فاختار :

_ بل الرفيق الأعلى ...

وعانق علي اخاه وسيّده ... وانطلقت الروح من أهاب الجسد تطوي المسافات ... ودوّى هتاف حزين :


_ وامحمداه (1) !

وانطفأت الشمس وحلّ زمن الزمهرير .


فاطمة تنوء بنفسها وقد اسندت رأسها إلى صدر لم يعد النسيم يزوره .

كانت تصغي إلى صمت الأنبياء ... وللصمت حديث تسمعه القلوب وتصغي اليه العقول .. العينان اللتان كانتا نافذتي نور قد اسدلتا جفونهما ، واليدان اللتان كانتا مهداً هما الآن مسبلتان ... والروح التي كانت تصنع التاريخ والإنسان قد رحلت بعيداً .. غادر هذا الكوكب الزاخر بالويلات .

لقد حلّت لحظة الفراق ؛ وتخفف الإنسان السماوي من ثوبه الأرضي ليرحل بعيداً ... إلى عوالم حافلة بالنور والحبّ والسلام .


*** *** ***


(1) «وسمعوا صوتاً من السماء بعد موته ينادي وامحمداه ... » | تاريخ بن الوردي 1 : 209 .
من مواضيعي

0 دروس من صلاة الجماعة‎ في الانتظار
0 هل تستطيع العيش في غرفة واحدة ؟ شاهد الصور لتعرف !
0 قوم لوط هل تم نسفهم بانفجار نووي؟؟؟ ( حقائق غريبة تنكشف) !!!
0 ليس لأحد أن يتقدم على رسول الله (ص) !
0 انتقال‌ المرض‌ بواسطة‌ النور‎ !!


التوقيع :
.
.
شهر الحسين أقبلا

هبت به ريح البلا
فل نرتدي أحرامنا للحج نحو كربلاء
  رد مع اقتباس
قديم 09-27-2010, 01:17 AM   #13
تتدلى من عنآآآقيـد " السمآآآء . . !
 
الصورة الرمزية يتيمة علي

الدولة :  ..// اللآمكآن // ..
هواياتي :  كل شيء غالباً ماعدآ كرهـ القدم هع

مشاهدة أوسمتي

يتيمة علي غير متواجد حالياً
افتراضي

« فصبرت وفي العين قذىً وفي الحلق
شجىً ... أرى تراثي نهبا ..
»




« العاصفة »




انطفأ السراج فالدنيا ظلام ... وخمد الوقد فالحياة في جزيرة العرب زمهرير ... ورحل السلام ... فذرّ الشيطان قرنيه يعربد ..

أيها الصامت !
صمتك ابلغ من كل ابجديات الدنيا .. وسكوتك المدوّي صرخة حق في عالم الأباطيل .. وقد زلزلت الأرض زلزالها انهار عمود خيمة كانت تعصف بها الريح .. وتمزّق « الكساء » اليماني وكان يدثّر نبياً هو آخر الأنبياء في التاريخ .. ورجلاً يشبه « هارون » في كل شيء إلا النبوة .. وامرأة هي سيدة بنات حواء وسبطين هما آخر الاسباط في التاريخ .

آه منك يا يوم الاثنين ...

جثا علي أما جسد كانت روحه العظيمة تضيء الجزيرة وبقايا نور في الجبين البارد تشبه شمساً هوت في المغيب . هيمن صمت ملائكي في المكان فيما العالم خلف الحُجُرات يموج بالفتن .

ظهرت غيمة في الافق حجبت ضوء الشمس ... وكمن يبحث عن ظلّه في يوم غائم كان الناس ينظرون هنا وهناك ... هل غادر الحبيب الديار ؟!

واجتمعت طائفة من الانصار في سقيفة لهم ... فهناك من يريد الاستيلاء على « سلطان محمد » ( قريش ) لا تريد علياً .. ذلك الفتى الذي قهر بـ « ذي الفقار » جبروتها .. لا تريد لبني هاشم أن يحوزوا النبوّة والإمامة .. والوحي والخلافة والسماء والأرض ...


هل ادرك الانصار ما يدور في الخفاء من همس حول اقصاء علي ؟ ...
هل طمعوا بـ « السلطان » ؟ .
هل خافوا أن يضيع نصيبهم من « الأمر » .

يا يوم الاثنين ...

اغمض النبي عينيه ... وعاد جبريل إلى السماء .. واستيقظت في النفوس .. غرائز كانت مكبلة أو نائمة ..

دخل عمر حجرة النبي .. كشف الملاءة عن وجه اضاء الدنيا قال بدهشة متصنّعة :

ـ ما اشدّ غشي رسول الله .

اجاب المغيرة مصعوقاً من موقف عمر :

ـ مات والله رسول الله .

ردّ عمر بلهجة فيها وعيد :

ـ كذبت ما مات ولكنه ذهب إلى ربّه ... كما ذهب موسى ابن عمران .

وظل المغيرة ينظر إلى عمر بدهشة .


خرج عمر وقد جحظت عيناه من الغضب .. شهر سيفه مهدداً وراح يهتف :

ـ ان رجالاً من المنافقين يزعمون أن رسول الله قد مات ... لا والله ... ما مات .. ولكن ذهب إلى ربّه كما ذهب موسى بن عمران ثم رجع بعد أربعين ليلة ... والله ليرجعن رسول الله .. فليقطعن أيدي رجال وارجلهم ... » .



الغريق يتشبث بكل شيء ... يتشبث بالأمل الكاذب .. يتشبث بالقشة .. يحسبها .. طوق نجاة وخلاص وعندما يفقد الإنسان الأمل ... عندما تجتاحه عاصفة يأس فانه قد يعمد إلى وهم يهبه شكل الحقيقة فيغفو عليه ؛ لا يريد أن يرى بوضوح ما يجري .


تحلّق الناس حول رجل يبرق ويرعد ويهدد كل من يقول بموت محمد صلى الله عليه وآله وسلّم .. ما اجمل ما يقوله عمر .. محمد لم يمت .. ذهب إلى ربّه .. بعد ليال سوف يعود !

لقد ضربت الصاعقة الاذهان .. شلّتها عن التفكير .. في كل شيء ومن بعيد لاح « أبو بكر » .. وصل توّاً من خارج المدينة .. من منزل له في « السنح » .

هتف من بعيد :

ـ على رسلك أيها الحالف .

والتفت إلى الأمة المذهولة قائلاً :

ـ أيها الناس !
من كان يعبد محمداً فان محمداً قد مات ومن كان يعبد الله فان الله حيٌّ لايموت « وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل ... » .

فجأة خمد البركان ... وتظاهر « عمر » باستسلام عجيب ، وقف إلى جانب اخيه ... وانضم اليهما رجل ثالث هو « ابن الجرّاح » تبادل الثلاثة نظرات ... هي لغة كاملة .. ربّما كانوا يفكرون ليومين أو ثلاثة من المستقبل ... أو ربّما للتاريخ بأسره .

ان كان التحولات الاجتماعية الكبرى انما تولد في الضمائر الإنسانية قبل أن تشق طريقها إلى الواقع ... انها موجودة في الأعماق حتى يأتي من يستخرجها إلى ارض الوقائع ، كان في ضمائر جلّة المهاجرين ، وقريش قاطبة عزم في الا تجتمع النبوّة والخلافة في بني هاشم وقد قرأ رجال ما يجول من خواطر , فاخرجوا ما استتر في الضمائر .. وقد اخفق النبي في هزيمتها يوم هزم الأوثان العربية .

علامات استفهام : الشمس ما تزال وراء غيوم « نيسان » (1) ... جثمان آخر الأنبياء ما يزال مسجىً ... علي ذاهل دوّخته الفاجعة شعر بغربة شديدة لقد رحل الحبيب ... ستموت فاطمة ... ستذوي مثل شمعة تحترق في ليل الجزيرة ... وسيبقى وحيداً ...



اسفر الجدل في « السقيفة » (2) عن انتخاب « سعد بن عبادة » خليفة للمسلمين !! الاطماع ، والقلق ، والخوف هي وحدها وراء اجتماع « الأنصار » في سقيفة بني ساعدة ..

هناك من يحلم بالمجد وهناك من ينظر إلى الافق البعيد فيرى « قريش » تتحفز للانتقام من « أهل يثرب » تريد أن تأخذ ثاراتها في « بدر » و « أحد » و «الأحزاب » !


الدقائق تمرّ بطيئة كأن التاريخ اصيب بالذهول ؛ الأوس يكظمون غيظاً ازاء « سعد الخزرجي » ... ولكن ماذا بوسع « الأوس » أن يفعلوا لا مفرّ من ذلك ثم انه سيكون أوهن من « قريش » ! ... قريش التي لم تنس ثاراتها بعد .

وفي لحظات تاريخية غادر رجلان من الأوس ؛ وانصار على وشك البيعة .. انطلقا باقصى سرعة إلى « ابي بكر وعمر وابن الجراح » وفي قلبيهما عزم على حرمان « سعد » من المجد !!

ولكن لماذا هؤلاء الثلاثة بالذات !!
لماذا عمر ؟
لماذا لم يذهبا إلى علي أو عمّه العباس ؟!


السماء لم تزل غائمة وانطلق الثلاثة إلى « السقيفة » ، سوف يفاجأ الرجل المريض (3) . جاءت قريش تحتج بانها شجرة محمد صلى الله عليه وآله وسلّم وقد رمت بعيداً ثمرتها اليانعة !!


*** *** ***



(1) انتقل النبي صلى الله عليه وآله وسلّم إلى الرفيق الأعلى في نيسان سنة 632 م .
(2) مكان كانت تعقد فيه الخزرج اجتماعاتها المصيرية وهو يشبه إلى حدٍ كبير دار الندوة في مكّة .

(3) سعد بن عبادة حضر الاجتماع بالرغم من حالته الصحية المتردّية .





« إذا الشمس كوّرت »


ترى ماذا كان يفعل علي في تلك اللحظات المثيرة ... « الأنصار » و« المهاجرون » ، في صخب وجدل وشجار حول « سلطان محمد » ... لنترك « السقيفة » في صخبها ولنعد إلى حجرة آخر الأنبياء ..

الصمت ما يزال يهيمن .. وبالرغم من غياب الشمس ..بالرغم من غيوم « نيسان » فقد بدت الحجرة مضيئة ... مضيئة بنور شفاف لعلّه تألقات لكائنات سماوية وفدت لتحمل «الروح العظيم » .

محمد صلى الله عليه وآله وسلّم يهيمن على الزمن حيّاً وميتاً .. محمد ساكت .. وما اعظم صمت الأنبياء !

ليت الذين يتشاجرون في السقيفة ينصتوا ليصغوا إلى صمت محمد .. أو يحترموا صمته .

ما هذه الضدة .. تقترب من المسجد .. وكان هناك رجل طويل (1) بيده عسيب نخل يحوش الناس ؛ رفع علي عينيه وكان العباس قد ذهب يستطلع الضوضاء .. قال عم الرسول :

ـ لقد بويع أبوبكر !!

وارتفعت علامات استفهام كبرى فوق رؤوس بعض المهاجرين والأنصار !!

سأل علي عمّه :

ـ بم احتجوا على الأنصار ؟

ـ قالوا انّا شجرة النبي !

علّق الإمام بحزن :

ـ احتجوا بالشجرة واضاعوا الثمرة .

سوف تبقى السقيفة بداية لسلسلة من المآسي في تاريخ الإسلام , ومن يريد أن يبحث عن جذور لكارثة « صفين » أو مأساة « كربلاء » فانه يجدها في تلك الاشبار من الأرض .. عندما ظلّ علي وحيداً .

ترى ماذا فعل علي وهو يشهد انعطافة التاريخ في غير الوجهة التي ارادها سيد التاريخ ؟

تلقى علي انباء السقيفة بصمت .. ربّما شاهدت بعض الصحابة في عينيه حزناً عميقاً .. أسفاً ..


استأنف علي عمله في تجهيز جثمان سيد الخليقة ..



*** *** ***


(1) عمر بن الخطاب .






الثلاثاء 29 | صفر | 11 هـ :




وقف العباس عم النبي وولداه (1) وقفوا صامتين يتأملون علياً ؛ التفت علي إلى الفضل :

ـ ناولني الماء .

اسامة يصبّ المياه فوق الجسد الطاهر ، وعلي يغسله .

شهق بعبرته وهو يتمتم :

ـ بابي أنت وأمي ما اطيبك حيّاً وميتاً .

فاحت في فضاء الحجرة رائحة طيبة .. وتوهجت ذكريات قديمة .. وتذكر اسامة حديثاً للحبيب الراحل :


ـ « ايها الناس انما انا بشر يوشك أن ادعى فاجيب ، واني تارك فيكم الثقلين : أولهما كتاب الله ، فيه الهدى والنور ، وأهل بيتي ، اذكّركم الله في أهل بيتي .. اذكّركم الله في اهل بيتي .. اذكركم الله في أهل بيتي » .




الإنسان السماوي يتأهب للرحيل ، يرتدي ثياباً بيضاء بلون رسالته بلون حمائم السلام بلون الرباب (2) بلون النور الذي سطع في جبل حراء .




*** *** ***

(1) الفضل وقثم .
(2) الغيمة البيضاء .




الصلاة :




تقدم علي للصلاة على الجثمان الطاهر .. تقدم وحده .. والمسلمون في المسجد يخضون جدلاً في من يؤمهم في الصلاة .

وقال علي :

ـ ان رسول الله أمامنا حيّاً وميتاً ... فليدخل عليه فوج بعد فوج فيصلون عليه بغير امام وينصرفون ..

واردف :

ـ وان الله لم يقبض نبياً في مكان إلا وقد ارتضاه لرمسه فيه ؛ واني لدافنه في حجرته التي قبض فيها .


الشمس تسير حزينة وراء الغيوم .. تتجه إلى المغيب ، والمسلمون يودعون آخر الأنبياء في صلاة طويلة .

الشمس تقترب من المغيب ؛ وانفذ العباس إلى ابي عبيدة بن الجراح وكان يحفر لاهل مكّة ويضرّح ، وانفذ إلى زيد بن سهل وكان يحفر لأهل المدينة ؛ وهكذا اشترك انصاري ومهاجر في الحفر ؛ ودسّ علي يديه تحت الجثمان العظيم .. ونادى الأنصار من وراء الحجرات :

ـ يا علي : نذكّرك الله وحقنا اليوم من رسول الله ان يذهب .. أدخل منا رجلاً يكون لنا به حظ من مواراة رسول الله .

اجاب علي :

ـ ليدخل أوس بن خولى ...

ودخل الرجل البدري يمشي على اطراف اصابعه لكأنه يلج عالماً زاخراً بالملائكة .

قال علي :

ـ نزل القبر !

ونزل الصحابي قبر من هداه إلى ينابيع النور والأمل تمنى ان يموت وتعود الحياة إلى سيده العظيم .

رفع علي الجثمان الطاهر .. ووضعه على يدي الصحابي وبرفق انزله في احضان الثرى ، فاحت رائحة المسك لكأن الفردوس فتحت أبوابها تستقبل آخر رسل السماء إلى الكوكب إلى الكوكب الزاخر بالحوادث .


طلب علي من أوس ان يخلي القبر فخرج باكياً ، وولج علي الضريح .. كشف عن الوجه الأزهر الذي اضاء الدنيا والتاريخ . انطفأت الشمس غابت خلف الافق المثقل بالغيوم .. كتلال من الرماد .. التراب علا الضريح شيئاً فشيئاً .

وجاءت فاطمة .. وهي لا تكاد تصدّق ان لدى أحد القدرة على ان يحثو التراب على رسول رب العالمين .

قالت مفجوعة :

ـ أطابت نفوسكم ان تحثوا التراب على رسول الله ؟!

أخذت بكفيها قبضة من التراب ... وضعت وجهها الأزهر .. شمّته شعرت أنها ستختنق إذا لم تتنفس نسائم الهواء وهي تنبعث من مسامات التراب المشبع برائحة جنات الفردوس ؛ همست بنت محمد :


ـ ماذا على من شم تربة أحمد * ان لا يشم مدى الزمان غواليا

لقد غابت الشمس ، وانطوت آخر ساعة من نهار الثلاثاء .
« فصبرت وفي العين قذىً وفي الحلق
شجىً ... أرى تراثي نهبا ..
»




« العاصفة »




انطفأ السراج فالدنيا ظلام ... وخمد الوقد فالحياة في جزيرة العرب زمهرير ... ورحل السلام ... فذرّ الشيطان قرنيه يعربد ..

أيها الصامت !
صمتك ابلغ من كل ابجديات الدنيا .. وسكوتك المدوّي صرخة حق في عالم الأباطيل .. وقد زلزلت الأرض زلزالها انهار عمود خيمة كانت تعصف بها الريح .. وتمزّق « الكساء » اليماني وكان يدثّر نبياً هو آخر الأنبياء في التاريخ .. ورجلاً يشبه « هارون » في كل شيء إلا النبوة .. وامرأة هي سيدة بنات حواء وسبطين هما آخر الاسباط في التاريخ .

آه منك يا يوم الاثنين ...

جثا علي أما جسد كانت روحه العظيمة تضيء الجزيرة وبقايا نور في الجبين البارد تشبه شمساً هوت في المغيب . هيمن صمت ملائكي في المكان فيما العالم خلف الحُجُرات يموج بالفتن .

ظهرت غيمة في الافق حجبت ضوء الشمس ... وكمن يبحث عن ظلّه في يوم غائم كان الناس ينظرون هنا وهناك ... هل غادر الحبيب الديار ؟!

واجتمعت طائفة من الانصار في سقيفة لهم ... فهناك من يريد الاستيلاء على « سلطان محمد » ( قريش ) لا تريد علياً .. ذلك الفتى الذي قهر بـ « ذي الفقار » جبروتها .. لا تريد لبني هاشم أن يحوزوا النبوّة والإمامة .. والوحي والخلافة والسماء والأرض ...


هل ادرك الانصار ما يدور في الخفاء من همس حول اقصاء علي ؟ ...
هل طمعوا بـ « السلطان » ؟ .
هل خافوا أن يضيع نصيبهم من « الأمر » .

يا يوم الاثنين ...

اغمض النبي عينيه ... وعاد جبريل إلى السماء .. واستيقظت في النفوس .. غرائز كانت مكبلة أو نائمة ..

دخل عمر حجرة النبي .. كشف الملاءة عن وجه اضاء الدنيا قال بدهشة متصنّعة :

ـ ما اشدّ غشي رسول الله .

اجاب المغيرة مصعوقاً من موقف عمر :

ـ مات والله رسول الله .

ردّ عمر بلهجة فيها وعيد :

ـ كذبت ما مات ولكنه ذهب إلى ربّه ... كما ذهب موسى ابن عمران .

وظل المغيرة ينظر إلى عمر بدهشة .


خرج عمر وقد جحظت عيناه من الغضب .. شهر سيفه مهدداً وراح يهتف :

ـ ان رجالاً من المنافقين يزعمون أن رسول الله قد مات ... لا والله ... ما مات .. ولكن ذهب إلى ربّه كما ذهب موسى بن عمران ثم رجع بعد أربعين ليلة ... والله ليرجعن رسول الله .. فليقطعن أيدي رجال وارجلهم ... » .



الغريق يتشبث بكل شيء ... يتشبث بالأمل الكاذب .. يتشبث بالقشة .. يحسبها .. طوق نجاة وخلاص وعندما يفقد الإنسان الأمل ... عندما تجتاحه عاصفة يأس فانه قد يعمد إلى وهم يهبه شكل الحقيقة فيغفو عليه ؛ لا يريد أن يرى بوضوح ما يجري .


تحلّق الناس حول رجل يبرق ويرعد ويهدد كل من يقول بموت محمد صلى الله عليه وآله وسلّم .. ما اجمل ما يقوله عمر .. محمد لم يمت .. ذهب إلى ربّه .. بعد ليال سوف يعود !

لقد ضربت الصاعقة الاذهان .. شلّتها عن التفكير .. في كل شيء ومن بعيد لاح « أبو بكر » .. وصل توّاً من خارج المدينة .. من منزل له في « السنح » .

هتف من بعيد :

ـ على رسلك أيها الحالف .

والتفت إلى الأمة المذهولة قائلاً :

ـ أيها الناس !
من كان يعبد محمداً فان محمداً قد مات ومن كان يعبد الله فان الله حيٌّ لايموت « وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل ... » .

فجأة خمد البركان ... وتظاهر « عمر » باستسلام عجيب ، وقف إلى جانب اخيه ... وانضم اليهما رجل ثالث هو « ابن الجرّاح » تبادل الثلاثة نظرات ... هي لغة كاملة .. ربّما كانوا يفكرون ليومين أو ثلاثة من المستقبل ... أو ربّما للتاريخ بأسره .

ان كان التحولات الاجتماعية الكبرى انما تولد في الضمائر الإنسانية قبل أن تشق طريقها إلى الواقع ... انها موجودة في الأعماق حتى يأتي من يستخرجها إلى ارض الوقائع ، كان في ضمائر جلّة المهاجرين ، وقريش قاطبة عزم في الا تجتمع النبوّة والخلافة في بني هاشم وقد قرأ رجال ما يجول من خواطر , فاخرجوا ما استتر في الضمائر .. وقد اخفق النبي في هزيمتها يوم هزم الأوثان العربية .

علامات استفهام : الشمس ما تزال وراء غيوم « نيسان » (1) ... جثمان آخر الأنبياء ما يزال مسجىً ... علي ذاهل دوّخته الفاجعة شعر بغربة شديدة لقد رحل الحبيب ... ستموت فاطمة ... ستذوي مثل شمعة تحترق في ليل الجزيرة ... وسيبقى وحيداً ...



اسفر الجدل في « السقيفة » (2) عن انتخاب « سعد بن عبادة » خليفة للمسلمين !! الاطماع ، والقلق ، والخوف هي وحدها وراء اجتماع « الأنصار » في سقيفة بني ساعدة ..

هناك من يحلم بالمجد وهناك من ينظر إلى الافق البعيد فيرى « قريش » تتحفز للانتقام من « أهل يثرب » تريد أن تأخذ ثاراتها في « بدر » و « أحد » و «الأحزاب » !


الدقائق تمرّ بطيئة كأن التاريخ اصيب بالذهول ؛ الأوس يكظمون غيظاً ازاء « سعد الخزرجي » ... ولكن ماذا بوسع « الأوس » أن يفعلوا لا مفرّ من ذلك ثم انه سيكون أوهن من « قريش » ! ... قريش التي لم تنس ثاراتها بعد .

وفي لحظات تاريخية غادر رجلان من الأوس ؛ وانصار على وشك البيعة .. انطلقا باقصى سرعة إلى « ابي بكر وعمر وابن الجراح » وفي قلبيهما عزم على حرمان « سعد » من المجد !!

ولكن لماذا هؤلاء الثلاثة بالذات !!
لماذا عمر ؟
لماذا لم يذهبا إلى علي أو عمّه العباس ؟!


السماء لم تزل غائمة وانطلق الثلاثة إلى « السقيفة » ، سوف يفاجأ الرجل المريض (3) . جاءت قريش تحتج بانها شجرة محمد صلى الله عليه وآله وسلّم وقد رمت بعيداً ثمرتها اليانعة !!


*** *** ***



(1) انتقل النبي صلى الله عليه وآله وسلّم إلى الرفيق الأعلى في نيسان سنة 632 م .
(2) مكان كانت تعقد فيه الخزرج اجتماعاتها المصيرية وهو يشبه إلى حدٍ كبير دار الندوة في مكّة .

(3) سعد بن عبادة حضر الاجتماع بالرغم من حالته الصحية المتردّية .





« إذا الشمس كوّرت »


ترى ماذا كان يفعل علي في تلك اللحظات المثيرة ... « الأنصار » و« المهاجرون » ، في صخب وجدل وشجار حول « سلطان محمد » ... لنترك « السقيفة » في صخبها ولنعد إلى حجرة آخر الأنبياء ..

الصمت ما يزال يهيمن .. وبالرغم من غياب الشمس ..بالرغم من غيوم « نيسان » فقد بدت الحجرة مضيئة ... مضيئة بنور شفاف لعلّه تألقات لكائنات سماوية وفدت لتحمل «الروح العظيم » .

محمد صلى الله عليه وآله وسلّم يهيمن على الزمن حيّاً وميتاً .. محمد ساكت .. وما اعظم صمت الأنبياء !

ليت الذين يتشاجرون في السقيفة ينصتوا ليصغوا إلى صمت محمد .. أو يحترموا صمته .

ما هذه الضدة .. تقترب من المسجد .. وكان هناك رجل طويل (1) بيده عسيب نخل يحوش الناس ؛ رفع علي عينيه وكان العباس قد ذهب يستطلع الضوضاء .. قال عم الرسول :

ـ لقد بويع أبوبكر !!

وارتفعت علامات استفهام كبرى فوق رؤوس بعض المهاجرين والأنصار !!

سأل علي عمّه :

ـ بم احتجوا على الأنصار ؟

ـ قالوا انّا شجرة النبي !

علّق الإمام بحزن :

ـ احتجوا بالشجرة واضاعوا الثمرة .

سوف تبقى السقيفة بداية لسلسلة من المآسي في تاريخ الإسلام , ومن يريد أن يبحث عن جذور لكارثة « صفين » أو مأساة « كربلاء » فانه يجدها في تلك الاشبار من الأرض .. عندما ظلّ علي وحيداً .

ترى ماذا فعل علي وهو يشهد انعطافة التاريخ في غير الوجهة التي ارادها سيد التاريخ ؟

تلقى علي انباء السقيفة بصمت .. ربّما شاهدت بعض الصحابة في عينيه حزناً عميقاً .. أسفاً ..


استأنف علي عمله في تجهيز جثمان سيد الخليقة ..



*** *** ***


(1) عمر بن الخطاب .






الثلاثاء 29 | صفر | 11 هـ :




وقف العباس عم النبي وولداه (1) وقفوا صامتين يتأملون علياً ؛ التفت علي إلى الفضل :

ـ ناولني الماء .

اسامة يصبّ المياه فوق الجسد الطاهر ، وعلي يغسله .

شهق بعبرته وهو يتمتم :

ـ بابي أنت وأمي ما اطيبك حيّاً وميتاً .

فاحت في فضاء الحجرة رائحة طيبة .. وتوهجت ذكريات قديمة .. وتذكر اسامة حديثاً للحبيب الراحل :


ـ « ايها الناس انما انا بشر يوشك أن ادعى فاجيب ، واني تارك فيكم الثقلين : أولهما كتاب الله ، فيه الهدى والنور ، وأهل بيتي ، اذكّركم الله في أهل بيتي .. اذكّركم الله في اهل بيتي .. اذكركم الله في أهل بيتي » .




الإنسان السماوي يتأهب للرحيل ، يرتدي ثياباً بيضاء بلون رسالته بلون حمائم السلام بلون الرباب (2) بلون النور الذي سطع في جبل حراء .




*** *** ***

(1) الفضل وقثم .
(2) الغيمة البيضاء .




الصلاة :




تقدم علي للصلاة على الجثمان الطاهر .. تقدم وحده .. والمسلمون في المسجد يخضون جدلاً في من يؤمهم في الصلاة .

وقال علي :

ـ ان رسول الله أمامنا حيّاً وميتاً ... فليدخل عليه فوج بعد فوج فيصلون عليه بغير امام وينصرفون ..

واردف :

ـ وان الله لم يقبض نبياً في مكان إلا وقد ارتضاه لرمسه فيه ؛ واني لدافنه في حجرته التي قبض فيها .


الشمس تسير حزينة وراء الغيوم .. تتجه إلى المغيب ، والمسلمون يودعون آخر الأنبياء في صلاة طويلة .

الشمس تقترب من المغيب ؛ وانفذ العباس إلى ابي عبيدة بن الجراح وكان يحفر لاهل مكّة ويضرّح ، وانفذ إلى زيد بن سهل وكان يحفر لأهل المدينة ؛ وهكذا اشترك انصاري ومهاجر في الحفر ؛ ودسّ علي يديه تحت الجثمان العظيم .. ونادى الأنصار من وراء الحجرات :

ـ يا علي : نذكّرك الله وحقنا اليوم من رسول الله ان يذهب .. أدخل منا رجلاً يكون لنا به حظ من مواراة رسول الله .

اجاب علي :

ـ ليدخل أوس بن خولى ...

ودخل الرجل البدري يمشي على اطراف اصابعه لكأنه يلج عالماً زاخراً بالملائكة .

قال علي :

ـ نزل القبر !

ونزل الصحابي قبر من هداه إلى ينابيع النور والأمل تمنى ان يموت وتعود الحياة إلى سيده العظيم .

رفع علي الجثمان الطاهر .. ووضعه على يدي الصحابي وبرفق انزله في احضان الثرى ، فاحت رائحة المسك لكأن الفردوس فتحت أبوابها تستقبل آخر رسل السماء إلى الكوكب إلى الكوكب الزاخر بالحوادث .


طلب علي من أوس ان يخلي القبر فخرج باكياً ، وولج علي الضريح .. كشف عن الوجه الأزهر الذي اضاء الدنيا والتاريخ . انطفأت الشمس غابت خلف الافق المثقل بالغيوم .. كتلال من الرماد .. التراب علا الضريح شيئاً فشيئاً .

وجاءت فاطمة .. وهي لا تكاد تصدّق ان لدى أحد القدرة على ان يحثو التراب على رسول رب العالمين .

قالت مفجوعة :

ـ أطابت نفوسكم ان تحثوا التراب على رسول الله ؟!

أخذت بكفيها قبضة من التراب ... وضعت وجهها الأزهر .. شمّته شعرت أنها ستختنق إذا لم تتنفس نسائم الهواء وهي تنبعث من مسامات التراب المشبع برائحة جنات الفردوس ؛ همست بنت محمد :


ـ ماذا على من شم تربة أحمد * ان لا يشم مدى الزمان غواليا

لقد غابت الشمس ، وانطوت آخر ساعة من نهار الثلاثاء .

البرد يجوس خلال المدينة الحزينة ؛ ونهض علي ينفض يديه من تراب القبر .. لقد غابت كل الأشياء الجميلة .. لم يعد للحياة معنى إلا في مواصلة الدرب الذي اضاءه نور محمد صلى الله عليه وآله وسلّم ..


البرد يجوس خلال المدينة الحزينة ؛ ونهض علي ينفض يديه من تراب القبر .. لقد غابت كل الأشياء الجميلة .. لم يعد للحياة معنى إلا في مواصلة الدرب الذي اضاءه نور محمد صلى الله عليه وآله وسلّم ..

من مواضيعي

0 هل جربت يوما تلقي مساج السمك Fish Spa ؟
0 شيّعني حرف جرّ في القرآن الكريم .!
0 احقا اننا نهوى علياً !!
0 بحث في بحيرة ساوه وعلاقاتها بعلامات الظهور....
0 إحساس الجمادات .. بمشاعرنا !!؟‎


التوقيع :
.
.
شهر الحسين أقبلا

هبت به ريح البلا
فل نرتدي أحرامنا للحج نحو كربلاء
  رد مع اقتباس
قديم 09-27-2010, 01:18 AM   #14
تتدلى من عنآآآقيـد " السمآآآء . . !
 
الصورة الرمزية يتيمة علي

الدولة :  ..// اللآمكآن // ..
هواياتي :  كل شيء غالباً ماعدآ كرهـ القدم هع

مشاهدة أوسمتي

يتيمة علي غير متواجد حالياً
افتراضي

« الغضب المقدس »


وانبرى علي يسجل احتجاجه ضد أول « فلتة» (1) في تاريخ الإسلام :



ـ افسدت علينا أمرنا ولم تستشر ولم ترع لنا حقاً .

اجاب أبو بكر بشيء من اللين !

ـ بلى ! ... ولكن خشيت الفتنة (2) .

وهنا سكت التاريخ !!

ولكن موقف علي ورفضه البيعة يعبّر عن موقف واضح ازاء الطريقة التي تمت فيها معالجة واحدة من أهم المشكلات في الحياة الإسلامية ؛ والتزم علي جانب الصبر بالرغم من بعض العروض بالبيعة (3) .

وظل علي على مواقفه حتى وفاة زوجته فاطمة التي التحقت بالرفيق الأعلى بعد حوالي ثلاثة اشهر أو تزيد .

ونظر علي يمناً وشمالاً فلم يجد معه أحد حتى عمّه العباس هو الآخر استرضي فرضي أو وقف موقف الحياد والاعراض عن النزاع (4) .

وقد عبر علي بن أبي طالب عن أساه وحزنه بعد ربع قرن من حادثة السقيفة بقوله :
« اما والله لقد تقمّصها فلان وانه ليعلم ان محلّي منها محلّ القطب من الرحى . ينحدر عني السيل ولا يرقى اليَّ الطير ؛ فسدلت دونها ثوباً وطويت عنها كشحاً وطفقت ارتئي بين أن أصول بيد جذّاء أو أصبر على طخية عمياء ، يهرم فيه الكبير ويشيب فيه الصغير ، ويكدح فيها مومن حتى يلقى ربّه » .

وهنا يقرر الإمام الصبر : « وأيت أن الصبر على هاتا احجى ، فصبرت وفي العين قذىً وفي الحلق شجىً ارى تراثي نهباً » (5) .

ان المرء ليشعر من خلال هذا الخطاب عمق المرارة والأسى في بحة الحزن ودرجة حرارة الكلمات وهو يستعرض تاريخ تلك الحقبة المريرة التي امتدت لتستوقب ربع قرن من الزمن .


*** *** ***


(1) اقتباس من تصريح لعمر بن الخطاب حول أبي بكر .
(2) مروج الذهب | المسعودي .
(3) جاء العباس الى علي ومعه أبو سفيان يبايعاه فرفض قائلاً : « ... افلح من نهض بجناح أو استسلم فاراح ... هذا ماء آجن ولقمة يفصّ بها آكلها ومجتني الثمرة لغير وقت ايناعها كالزراع بغير أرضه » .

(4) زار أبو بكر ومعه بعض أركان حكومته العباس ليلاً ، واسفر الجدل بتحييد الاخير .الشرح لابي الحديد : ج 1 .
(5) نهج البلاغة | الخطبة رقم 3 .





« علي مع القرآن ... »



واعتزل علي .. آوى إلى منزله يجمع القرآن كما انزله الله ، وذكريات الآيات تتوهج في عقله .. وبين الفينة والأخرى يقتحم بعضهم حرمة الصمت . فعلى علي أن يبايع .. وفي كل مرّة كانت فاطمة تصدّ هجمات بعض « الصحابة » ، لقد انتزعوا منها « فدك » (1) وها هم يرومون انتزاع زوجها وقد أغمد ذا الفقار بعد أن وضعت الحرب أوزارها .


*** *** ***


(1) صودرت « فدك » على أساس حديث : « نحن معاشر الانبياء لا نورّث » الذي لم يروه سوى الخليفة الأول .





« رحيل فاطمة ..! »



وتمرّ الأيام مريرة .. وتذوي فاطمة .. كشمعة في قلب الظلمات .. قوامها يزداد نحولاً .

سكتت فاطمة هي الأخرى .. صمتت مريم من قبل .. وأدرك علي أن رحيلها سيكون وشيكاً وأن « البيت » الذي بناه من جريد النخل بـ « البقيع » سيكون النهاية .. سيشهد ذلك البيت انطفاء الشموع .. رحيل النجوم .. ومصرع شمس أضاءت حياته مدّته بالدفء .. النور .. الأمل .

سكتت فاطمة والذين اشتكو من بكائها لم يعودوا يسمعون أنيناً ينبعث من أعماق قلب كسير . لم يعد أحد يسمع نشيجها إلا الذين يمرّون بالبقيع .

غابت فاطمة كما تغيب النجوم خلف السحب الدكناء .. غابت فاطمة كفراشة تبحث عن الشمس .. عن ربيع مضى تطارده ريح شتائية .

غابت فاطمة .. لم يعد أحد يسمع بها .. أنها تذوي وحيدة في بيت من جريد النخل غادره الحياة .. الملائكة لا تريد حياة الأرض ، والحوريات لا تعيش في عالم التراب .. والذين اكتشفوا السماء لن يطيقوا الانتظار .

وعندما يدرك الأنبياء أن مواعظهم لا تجد آذاناً واعية سيتحدثون بلغة الصمت ..

في « بيت الاحزان » كانت فاطمة تذوب كشمعة متوهّجة تحرق نفسها لتهب النور والدفء من حولها ... فاطمة تتحدث بلغة الشموع .. لغة لا يسبر غورها إلا فراشات النور .. ها هي فاطمة تصرخ بصمت :

ـ بدوي صمتي اناديكم .. ثورتي تنطوي في حزني .. ورفضي كامن في دموعي .. وهذا كل ما املكه من لغة علّكم تفهمون خطابي انا مظلومة يا ربّي .. حرّرني من هؤلاء .
ذوت الشمعة .. أحرقت نفسها .. لم يبق منها إلا حلقات من نور واهن .. آن لها أن تنطفئ . الوجه يشبه قمراً انهكته ليلة شتائية طويلة .. بدا مصفرّاً .. وكان الصوت واهناً تحمله أمواج حزينة ... والدموع غزيرة كسماء تمطر على هون .

رقدت فاطمة في فراشها .. وضعت يدها تحت خدّها اغمضت عينيها ونامت .. سمعتها « اسماء » (1) تهمس بصوت ملائكي :

ـ السلام على جبريل ... الهي في رضوانك وجارك ودارك دار السلام .

وجاء علي .. بدا مكسور الظهر .. كما لو أنه ينوء بحمل جبال من الحزن .. راح يقرأ ما كتبته فاطمة قبل أن تغفو بسلام :

ـ بسم الله الرحمن الرحيم ... هذا ما أوصت به فاطمة بنت رسول الله ... وهي تشهد أن لا اله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله .. وان الجنة حق والنار حق وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور ..

يا علي أنا فاطمة بنت محمد زوجني الله منك لأكون لك في الدنيا والآخرة .. حنطني وغسلني وكفّني وصلّ علي وادفني بالليل ولا تعلم أحداً واستودعك الله إلى يوم القيامة .

وهكذا شاءت فاطمة أن ترحل بصمت .. ان تدفن في قلب الليل .. أن يبقى قبرها مجهولاً لترسم سؤلاً كبيراً مايزال حتى اليوم يستفهم التاريخ والإنسان !

لم يدفن علي فاطمة حتى دفن معها قلبه وحبّه العظيم ، ثم يمم وجهه شطر الرجل الذي واراه الثرى بالأمس فيهمس لديه بكلمات الحزن .. ولوعة الفراق :

ـ السلام عليك يا رسول الله عني وعن ابنتك النازلة والسريعة اللحاق بك .. قَلّ يا رسول الله عن صفيتك صبري ورق عنها تجلدي ..

أما حزني فسرمد .. وامّا ليلي فمسهّد ، إلى أن يختار الله لي دارك التي انت بها مقيم ..

وستنبئك ابنتك بتظافر امّتك على هضمها ، فاحفها السؤال واستخبرها الحال ..

هذا ولم يطل العهد ، ولم يخل منك الذكر .. والسلام عليكما .. سلام مودّع لا قالٍ ولا سئم .. فان انصرف فلا عن ملالة .. وأن اقم فلا عن سوء ظن بما وعد الله الصابرين ... »

ونهض علي يواجه الدنيا وحيداً .. يشعر بالغربة فلقد وارى بيده قلبه وسعادته وسيفه ذا الفقار .. تمتم بحسرة :

ـ فقد الأحبّة غربة .


*** *** ***

(1) زوجة جعفر ابن أبي طالب .




« توهجات الزمن الأول »


بايع علي « مكرهاً » .. وانطوى وحيداً يعالج همومه واحزانه وشيئاً فشيئاً بدأت عجلة الحياة تدور .. وقلّ الحديث عن مسألة الخلافة .. وانطلقت جيوش الفتح الإسلامي في الجبهات .. وانصرف علي إلى العمل .. يحفر الآبار ويفجّر العيون لتسيل أودية بقدر .. يحرث الحقل ويسقي الزرع لتخضرّ الأرض ..

انهى علي احتجاجه الصامت وعاد إلى المسجد .. إلى « الجماعة » . بالرغم من كل الآلام ..

احتدم الجدل في مجلس الخليفة الأول حول غزو دولة الروم ؛ نظر الخليفة إلى علي وكان ساكتاً قال علي :

ـ إن فعلت ظفرت .

قال أبو بكر :

ـ بُشّرت بخير ..

وانطلقت خيول الفتح الإسلامي تنشر النور في الشمال .

كتب خالد بن الوليد إلى الخليفة انه وجد رجلاً في بعض ضواحي العرب ينكح كما ينكح المرأة !!

جمع أبو بكر جماعة من أصحاب النبي واختلفت الآراء في عقوبته فقال علي :
ـ ان هذا ذنب لم تعمل به امّة من الأمم إلا امّة واحدة (1) فصنع الله بها ما قد علمتهم .. أرى أن يحرق ..

كتب أبو بكر إلى خالد يأمر بتنفيذ الحكم .

وصل وفد مسيحي إلى عاصمة الإسلام يحمل أسئلة عصره .. عجز الخليفة في حوار « الجاثليق » (2) فأرسل وراء علي ..

قال الجاثليق :

ـ اين وجه الربّ ؟!

أمر علي بإشعال النار في الحطب وارتفعت ألسنة اللهب .. سأل علي زعيم الوفد :

ـ أين وجه النار ؟

قال الجاثليق :

ـ هي وجه من جميع الجهات .

ـ هذه نار مصنوعة ، لا يعرف وجهها ، وخالقها لا يشبهها .. لله المشرق والمغرب .. فأينما تولّوا فثم وجه الله .

وسكت الجاثليق خاشعاً .


*** *** ***

(1) قوم لوط في ارض سدوم وعامورا بالقرب من البحر الميت في فلسطين .

(1) عالم النصارى .



مسار الأحداث :



وقعت بعض الحوادث العامة خلال تلك الحقبة التي امتدت من ربيع الأول 11 هـ وحتى جمادى الأولى سنة 13 هـ .

في طليعتها تحرك جيش الإسلامي بقيادة أسامة بن زيد إلى أرض البلقاء حيث اضطدم بالحاميات الرومية هناك وأحرز انتصارات في تلك المواقع .

والجيوش الإسلامية بقيادة المثنى بن حارثة الشيباني تبدأ غزو العراق ؛ وفي تلك الفترة تم اغتيال آزرمي بنت كسرى وعمّت الفوضى في البلاد .

كما وقع حادث له دلالته عندما قام خالد بن الوليد بقتل مالك ابن نويرة (1) وآخرين دون مبرّر مقنع ، وقد عدّ الحادث وقتها افجع انتهاك لحقوق المسلم .

وفي سنة 12 هـ طلب أبو بكر من زيد بن ثابت أن يجمع القرآن الكريم .

هرقل امبراطور الروم يجهز حملة ضخمة بقيادة ( بانس ) ، والجيوش الإسلامية التي تقاتل في الجبهة العراقية تقطع الصحراء متجهة نحو الجبهة الشمالية لنجدة القوات الإسلامية المشتبكة مع الرومان ؛ والجيوش الإسلامية تتقدم باتجاه السقم الجنوبي من فلسطين .

وفي جمادي الأولى من سنة 13 هـ تدهورت صحة أبي بكر ، فاستدعى كلاً من عبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان ، وبحث معهما خلافة عمر (2) .

وكان الأخيران يدركان تماماً منزلة عمر لدى الخليفة الأول قال عبد الرحمن : ان عمر أفضل من رأيك فيه .

وقال عثمان : أن سريرته خير من علانيته ، وليس فينا مثله .

وطلب أبوبكر من عثمان أن يكتب عهده ... ويذكر التاريخ أن أبا بكر دخل في اغماءة اثناء مقدّمة العهد واستمر عثمان في الكتابة فسمّى الخليفة الجديد ، وهنا أفاق أبو بكر وقرأ عثمان ما كتبه اثناء فترة الاغماء !
فأقرّ الخليفة الأمر واستحسنه ! وبهذه الطريقة تمت تسمية الخليفة الثاني !


*** *** ***


(1) مالك بن نويرة بن جمرة بن شدّاد ، أبو حنظلة فارس شاعر من أردف الملوك في الجاهلية ، أدرك الإسلام وأسلم ولاه النبي صدقات قومه ، امتنع عن دفع الزكاة للظروف والملابسات التي اعقبت وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلّم .

(2) أهمل أبوبكر علي بن أبي طالب في مسألة الخلافة تماماً كما أهمله من قبل في مسألة جمع القرآن ، وسوف يبقى المنهج التبريري الذي يتناول تلك الحقبة المريرة من تاريخ الإسلام عاجزاً عن تقديم اجوبة مقنعة .

من مواضيعي

0 أعمال شهر محرم الحرام ....
0 متى تكون المرأة زوجاً ومتى لا تكون في القرآن الكريم ؟
0 سين جيم في السور القرآنية ... ( متجدد )
0 ما الفرق في ترتيب الأهل بين سورتي عبس وسورة المعارج .. ( وشيء آخر )
0 رخصة قيادة سعودية قبل 50 سنة‎ !


التوقيع :
.
.
شهر الحسين أقبلا

هبت به ريح البلا
فل نرتدي أحرامنا للحج نحو كربلاء
  رد مع اقتباس
قديم 10-03-2010, 12:13 AM   #17
حويراتي ماسي
 
الصورة الرمزية أغاريد
افتراضي

جزيتي الف خير يتيمة علي
على المجهود المبذول والنشاط الملاحظ
من مواضيعي

0 فيكم نووووووووووووم تعالوا .... !!!
0 المعذره
0 تبليغ عن مشاركة بواسطة أغاريد
0 تغطي يابنت قدامك سعودي !!!
0 أخواني وأخواتي رحبو بي


التوقيع :
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة
  رد مع اقتباس
قديم 10-05-2010, 09:31 AM   #18
تتدلى من عنآآآقيـد " السمآآآء . . !
 
الصورة الرمزية يتيمة علي

الدولة :  ..// اللآمكآن // ..
هواياتي :  كل شيء غالباً ماعدآ كرهـ القدم هع

مشاهدة أوسمتي

يتيمة علي غير متواجد حالياً
Ss70013

توهجات الزمن الثاني :


تسنم عمر بن الخطاب مسؤوليته في قيادة وإدارة الدولة الإسلامية وتمّت مبايعته كأمير للمؤمنين (1) ؛ وقد امتدت خلافته لتستوعب عقداً كاملاً من الزمن قال علي فيها :
« حتى مضى الأول لسبيله فأدلى بها إلى فلان بعده ... فصيّرها في حوزة خشناء يغلظ كلمها ويخشن مسّها ، ويكثر العثار فيها والاعتذار منها ، فصاحبها كراكب الصعبة إن أشنق لها خرم ، وان واسلس لها تقحّم » (2) .

جمع الخليفة الثاني اصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلّم بعد ان أصبح التأريخ للحوادث مشكلة ، وكان السؤال : من أين نكتب التاريخ ، وتضاربت الآراء فقال علي عليه السلام : من يوم هاجر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم ...

وهكذا بدأ تاريخ الهجري .

استدعى عمر امرأة وكانت حاملاً ، فشعرت بالذعر وأجهضت حملها واستشار عمر في الدية قال عبد الرحمن وعثمان :

ـ لا عليك ... انما أنت مؤدب .

فقال علي :

ـ ان كانا قد اجتهدا فقد اخطأ ، وان لم يجتهدا فقد غشاك .
أرى عليك الدية .


لم تجد العقوبة المفروضة آنذاك (3) في الحدّ من استمرار تعاطي الخمرة في الهشام ؛ وبعث أبو عبيدة بن الجرّاح نداء استغاثة حول هذه الظاهرة ، فاستشار عمر اصحاب النبي فقال علي : اجعلها بمنزلة حدّ الفريه « ثمانون جلدة » , إن الرجل إذا شرب هذى افترى ؛

وأصبح رأي الامام جزءاً من القانون الإسلامي حتى الآن .

جاءت الشرطة تسوق امرأة راعية اتهمت بالزنا , وسأل عمر المرأة فاعترفت ، وظن الخليفة الثاني إن الأمر قد بات واضحاً فأصدر حكمه برجمها كما أمرت الشريعة بذلك .

وحضر علي في الوقت المناسب ، ورأى علي إمارات حزن عميق تموج في وجه المرأة فقال :

ـ لعل بها عذراً .

وخاطب المرأة قائلاً :

ـ ما حملك على ما فعلت ؟

قالت المرأة وهي تشهق بالبكاء :

ـ كان لي خليط ، وفي إبله ماء ولبن ولم يكن في إبلي ماء ولا لبن فاستسقيته ، فأبى أن يسقيني حتى أعطيه نفسي ، فأبيت ثلاث مرّات ، حتى كدت أموت عطشاً .. فاعطيته الذي أراد فسقاني .

هتف علي :
ـ الله أكبر !

ثم تلا الآية المباركة :

« فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا اثم عليه ان الله غفور رحيم » .

وعندها سحب الخليفة الثاني حكم الموت وانطلقت المرأة سعيدة بالحياة .

كانت الجيوش الإسلامية تندفع هنا وهناك من العالم وبرزت مشكلة الأرض المفتوحة ، عندما طالب المسلمون باربعة اخماس الأرض ؛ على اساس ظاهر الآية ، وحدث جدل واسع حولها في المدينة ، فاشار علي عليه السلام على الخليفة بابقاء الأرض بأيدي اصحابها الأصليين ، والزامهم بدفع ضريبة الخراج لسدّ حاجات الدفاع عن الأمة ؛ وكان لهذا الموقف الأثر الكبير في انتشار الإسلام .

وقعت جريمة فريدة في « صنعاء » عندما أقدمت إمرأة مع عشيقها على قتل زوجها وتردد عمر في اصدار حكم القصاص فهل يصح قتل الكثيرين بالواحد ؟!

فقال علي متسائلاً :

ـ أرأيت لو أن نفراً اشتركوا في سرقة جزور هذا عضواً ، وهذا عضواً .. اكنت قاطعهم ؟

اجاب الخليفة :
ـ نعم .

عندها قال علي عليه السلام :

ـ فكذلك .

وهنا كتب عمر ألى عامله هناك : ان اقتلهما فوالله لو اشترك أهل صنعاء كلهم لقتلهم .

الحوادث : وقعت خلال العشرة اعوام تلك حوادث هامّة فعلى الصعيد الثقافي منع الخليفة الثاني تدوين الحديث ، وعرّض بذلك تراث سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلّم إلى خطر الضياع ، غير أن علياً عليه السلام كان قد انبى إلى جمع القرآن وتدوين الحديث منذ اليوم الأول لرحيل النبي صلى الله عليه وآله وسلّم ألى الرفيق الأعلى ، فأصبح المرجع الأول في الأحكام باعتراف الجميع .

وشهد هذا العقد من الزمن تتابع الفتوحات الإسلامية تواصل معاركها الضارية مع الرومان بعد معركة اجنادين الحاسمة ، وقوّات الإسلام تفتح عشرات المدن هناك .


وفي سنة 14 هـ توفى سعد بن عبادة في طريقه إلى الشام في ظروف غامضة (4) .
وفي السنة الخامسة العشرة من الهجرة وبعد مضي عامين على خلافة عمر بن الخطاب بدأ الأخير في تنفيذ سياسة مالية جديدة مخالفاً بذلك سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلّم و الخليفة الأول ، وبدأ منذ ذلك التاريخ التمييز في نظام العطاء ، في تقدم « البدريين » على غيرهم وتفضيل المهاجرين على الأنصار وتقديم امهات المؤمنين على غيرهن ، وتصنيف سائر شرائح المجتمع الإسلامي على أساس الانتماء القبلي ، فتجذرت بذلك ظاهرة العصبية التي ساعدت فيما بعد على توفير المناخ المناسب للعنصرية ؛ ونهضت عليها سياسة الحكم بعد ثلاثة عقود من الزمن (5) .

وفي تلك الفترة ألغى الخليفة الثاني منح المؤلفة قلوبهم الامتيازات المالية التي كانوا يحصلون عليها ، وقد عدّت الخطوة في الدراسات المعاصرة محاولة ناجحة في دمج تلك الشريحة المعادية الإسلام في الباطن بالمجتمع الإسلامي ، وتمهيد الطريق أمام بني امية في تسنم أرفع المناصب القيادية ؛ فإذا أضفنا إلى ذلك سياسته تجاه ولاة المدن التي تتسم بالشدّة والقسوة في بعض الأحيان ، واستثناء معاوية بن أبي سفيان من ذلك حتى أصبح الوالي المدلّل ، فإن الأمر سوف يدعو إلى التساؤل عن بواعث هذا الاستثناء (6) !



*** *** ***


(1) كان المسلمون يخاطبون أبابكر بـ « يا خليفة رسول الله » ، وحدث ما يشبه الأزمة في مخاطبة عمر بن الخطاب ، ويبدو لمن يتأمل الحوار الذي دار بين عمر ابن الخطاب والمغيرة بن شعبة أن الأول كان يحاول مساعدة الأخير على اكتشاف التسمية الجديدة .
(2) المقطع الأخير يجسّد عمق معاناة علي عليه السلام في تلك الفترة . نهج البلاغة . نهج البلاغة | الخطبة الشقشقية .
(3) اربعون جلدة .
(4) الخزرجي الأنصاري أبو قيس ، احد النقباء الاثني عشر في بيعة العقبة كان سيد الخزرج ، وكانت في يديه راية الفتح في تحرير مكّة ، سمعت تهديداته لابي سفيان وقريش ، فاخذ النبي الراية منه وسلّمها علياً كان زعيم مؤتمر السقيفة وبذل قصارى جهده في دفع الانصار إلى بيعته قبل أن يستولي عليها المهاجرون !


(5) الحكم الأموي البغيض .

(6) كانت الاخبار تترى حول تجاوزات معاوية المالية وبذخه ، وكان عمر يكتفي بردّه قائلاً : ذاك كسرى العرب ، وقد بلغ من استهتار الاخير انه كان يلبس الديباج والحرير ويستعمل الذهب ، الأمر الذي دفع ببعض الصحابة إلى استنكار ذلك علنا فردّهم الخليفة الثاني قائلاً :
ـ دعونا من ذمّ فتى من قريش ، من يضحك في الغضب ، ولا ينال ما عنده من الرضا ، ولا يؤخذ من خوف رأسه إلا من تحت قدميه .




اضاءتان :


سافر أحدهم بعد أن أودع امرأتيه لدى صديق له وكانتا حاملين فوضعت كلاهما ، وضعت أحداهما بنتاً والأخرى صبياً ، واندلع النزاع ، حول الصبي ، حين ادعته المرأتان .

وجاء الصديق يستنجد بالقضاء لحلّ هذه المعضلة ، وعرض الخليفة الثاني ملف القضية على الصحابة فلم يجد لديهم حلاً فقال عمر :

ـ أما والله اني لأعرف من لها .

وادرك بعضهم ما عناه الخليفة فقال :

ـ كأنك تعني علياً .



ـ أجل .
وتطوع أحدهم باستدعاء علي ولكن الخليفة رفض ذلك قائلاً :

ـ في بيته يؤتى الحكم .

ونهض الجميع المنطلقين إلى ابن عم النبي صلى الله عليه وآله وسلّم ؛ وبعد لأي وجدوه في بستان يعمل ... سمعوا صوته وهو يرتل آيات من القرآن فيمتزج الترتيل بالبكاء والدموع :

ـ « ايحسب الإنسان أن يترك سدىً ألم يك نطفة من مني يمنى ثم كان علقة فسوّى فجعل منها الزوجين الذكر والانثى أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى ... » .

ونظر بعضهم إلى بعض .. فالقضية التي جاءوا من اجلها تدور حول ذكر وانثى !

رحب الإمام بضيوفه وروى عمر ما جاءوا من أجله , فاشار إلى الرجل وقال :

ـ ان هذا ذكر ان رجلاً أودعه امرأتين ، فوضعتا جميعاً : احداهما ولداً ذكراً والأخرى بنتاً وكلتاهما تدّعي الابن وتنفي البنت (1) .

إجتث الإمام شوكة صغيرة من الأرض وقال :

ـ القضاء فيها أيسر من هذه .

أمر الإمام باحضار قدحين متساويين في الوزن والتفت إلى احداهما وقال : احلبي في هذا القدح .. فحلبت .. وقال للأخرى مثل ذلك .. وجئ بميزان للصاغة فوضع في طرفيه القدحان وكان حجم الحليب متساوياً ؛ ودهش الصحابة وهم يرون أن أحد القدحين يرجح الآخر فقال لصحابة القدح الاثقل : خذي ولدك ، والتفت إلى الأخرى فقال : خذي بنتك ، والتفت إلى الخليفة . فقال :

ـ لبن البنت على النصف من لبن الولد ، وميراثها نصف ميراثه .
واعجب عمر بقضاء الإمام فقال متأثراً :

ـ لقد ارادك الحق يا أبا الحسن ولكن قومك أبوا (2) !

فقال الإمام بشيء من الحزن :

ـ هوّن عليك أبا حفص .. ان يوم الفصل كان ميقاتاً .

واندلعت ازمة قضائية أخرى ، عندما اقدمت امرأة على افتضاض بكارة فتاة يتيمة كان زوجها قد ربّاها في بيته وخشيت المرِأة بعد ان رأت تلك الفتاة قد شبت واضحت فائقة الجمال ان يقدم زوجها على الزواج منها ، فانتهزت سفر الزوج وسقتها الخمرة وازالت بكارتها بيدها بمعاونة بعض جاراتها ؛ وعندما عاد الزوج اتهمت الزوجة الفتاة بالبغاء . وحار الخليفة في فصل القضية فانطلق مع اصحاب الدعوى وجمع من الصحابة إلى علي .

سأل علي الزوجة عن البيّنة في هذا الاتهام :

ـ ألكِ بينة أو برهان .؟

اجابت المرأة :

ـ هؤلاء جاراتي يشهدون عليها بما أقول .

وجاءت النسوة فشهدن ضد الفتاة ؛ ودخلت القضية مطبّاتها أمام اصرار الفتاة بأنها لم ترتكب مثل هذا الاثم .

أمر الإمام باجراء لم يسبق له مثيل عندما طلب التفريق بين الشهود ؛ بدأ الإمام استجوابه التحقيقي مع زوجة الرجل فحذرها من عاقبة القذف فاصرّت المرأة على موقفها ، فغادر الإمام الحجرة إلى حجرة أخرى حيث توجد إحدى الشاهدات ؛ استلّ الإمام سيفه ذا الفقار من الغمد ، وجثا على ركبتيه وخاطبها قائلاً :

ـ أتعرفيني .. ؟ انا علي بن أبي طالب وهذا سيفي ..

ثم أردف قائلاً :

ـ وقد قالت امرأة الرجل ما قالت ورجعت إلى الحق فاصدقي القول وإلا ملأت سيفي منك .

وانهارت المرأة فالتفت إلى عمر قائلة :

ـ يا أمير المؤمنين الأمان على الصدق ؟

قال الإمام :

ـ فاصدقي إذن .

واعترفت المرأة بجريمة صاحبتها فقالت :

ـ والله ما بغت الفتاة .. ولكن زوجة الرجل رأت فيها جمالاً وهيئة .. وخافت أن يتزوجها ، فسقتها المسكر ودعتنا فامسكناها فافتضتها باصبعها !

وهناك هتف الإمام : الله اكبر ... أنا أول من فرّق بين الشهود بعد دانيال النبي .. واصدر الإمام حكمه في القضاء :

ـ على المرأة حدّ القذف وجميع العقر وهو اربعمئة درهم ... وأنت تنفى من الرجل (3) ...

وانتهز عمر الفرصة فقال للإمام :

ـ حدّثنا يا أبا الحسن حديث دانيال .

فقال عليه السلام :

ـ كان دانيال النبي يتيم الابوين ... احتضنته امرأة من بني اسرائيل فربّته .. وان ملكاً من ملوك بني اسرائيل كان له قاضيان وكان لهما صديق وكان رجلاً صالحاً وله زوجة صالحة على جانب كبير من الجمال فبعثه الملك في بعض أموره ؛ فقال الرجل للقاضيين : اوصيكما بامرأتي خيراً ؛ وخرج الرجل ، وكان القاضيان يأتيان باب الصديق ، فعشقا امرأته فراوداها عن نفسها ، فأبت . فقالا لها ان لم تفعلي لنشهدن عليك عند الملك بالزنى ثم لنرجمنك .
فقالت : افعلا ما احببتما .
فأتيا الملك فشهدا عنده انها بغت ، وكان لها ذكر جميل فاعترى الملك من ذلك أمر عظيم واشتد غمّه فقال لهما : ان قولكما مقبول فأجلوها ثلاثة أيام ثم ارجموها .
ونادى المنادي في تلك المدينة أن احضروا رجم فلانة العابدة قد بغت ، وقد شهد عليها القاضيان .
فأكبر الناس هذا العمل ودهشوا له ، وقال الملك لوزيره ما عندك في ذلك ؟ هل من حيلة ؟ فقال الوزير ما عندي في ذلك شيء ، فخرج الوزير في اليوم الثالث فاذا بغلمان عراة يلعبون وفيهم دانيال ، فقال دانيال لأصحابه : تعالوا نلعب فاكون أنا الملك وتكون انت يا فلان العابدة وقال وهذا سيفي ثم قال : خذوا بيد هذا الشاهد فاجعلوه في مكان كذا ثم دعا احدهما وقال : ان لم تقل حقاً قتلتك .. بم تشهد على هذه المرأة فقال : اشهد انها زنت .
قال : متى ؟


قال : يوم كذا وكذا .
قال : مع من ؟
قال مع فلان بن فلان .
في أي مكان ؟
في مكان كذا وكذا .
قال : ردوه إلى مكانه .
وجاء بلأخر .
فقال : علام تشهد ؟
قال : أنها زنت .
قال : في أي يوم .
قال : في يوم كذا وكذا .
قال مع من ؟
قال : مع فلان بن فلان .
قال : في أي موضع ؟
قال في موضع كذا وكذا .
فخالف صاحبه في الشهادة .
فقال الدانيال : الله اكبر ! شهدوا بزور ... ناد في الناس ان القاضيين شهدا على فلانة بالزور فاحضروا قتلهما .
فذهب الوزير إلى الملك مبادراً فاخبره بما رأى فبعث الملك إلى القاضيين ، ففرق بينهما ، وفعل بهما كما فعل دانيال فاختلفا في
القول كما اختلف الغلمان ، فنادى في الناس وامر بقتلهما .



*** *** ***


(1) يبدو أن الدوافع كانت من اجل الميراث أو لنيل الحظوة والمنزلة لدى الزوج .
(2) ممّا يثير التساؤل المرير هذا التأكيد الماتواصل على احقية علي عليه السلام بالخلافة واستبعاده القاتل في لحظات تقرير المصير .. مصير الحكم .
(3) طلق الرجل زوجته بعد عودته ... فزوّجه الإمام الفتاة اليتيمة وساق عنه المهر .







النهاية :


كان عمر قد أصدر أمراً بحرمان كل من بلغ الحلم من السبي الفارسي أن يدخل المدينة ، فكتب المغيرة بن شعبة الداهية المعروف وكان ولياً على الكوفة كتب إلى الخليفة الثاني يذكر له غلاماً من أهل فارس يحسن كثيراً من الصناعات وطلب من الخليفة أن يأذن له بدخول المدينة ، وجاء في رسالته :

إن عنده أعمالاً كثيرة فيها منافع للناس ؛ إنه حدّاد ونقاش ونجار فكتب إليه عمر أن أرسله إلى المدينة ، وكان المغيرة قد حدد على الغلام ضريبة باهظة في الخراج بلغت مئة درهم ؛ وجاء الغلام ويدعى أبو لؤلؤة ( فيروز ) إلى عمر يشكو شدّة الخراج .

فقال له الخليفة :

ـ ماذا تحسن من العمل ؟

فذكر الغلام عدّة صناعات وفنون .

فقال عمر :

ـ ما خراجك بكثير في كنه عملك ؛

فانصرف الغلام ساخطاً يتذمّر .

وبعد أيام مرّ غلام المغيرة « أبو لؤلؤة » بالخليفة فسألة الأخير قائلاً :

ـ سمعت أنك تقول : لو أشاء لصنعت رحى تطحن بالريح فاصنع لي رحىً .

فالتفت الغلام إلى عمر وقال عابساً :

ـ لاصنعنّ لك رحىً يتحدّث بها الناس .

وادرك الخليفة مغزى تهديده .. فالتفت إلى من حوله بعد أن مضى الغلام :

ـ لقد أوعدني العبد .

فقال له الناس :

ـ وما يمنعك من قتله ؟

فقال عمر :

ـ لا قصاص قبل القتل .


شاهد عيان 25 | ذو الحجة | 23 هـ :


قال ابن ميمون الأسدي شهدت عمر بن الخطاب يوم طعن فما منعني أن أكون في الصف الأول إلا هيبته ، فكنت في الصف الذي يليه ؛ وكان عمر لا يكبّر حتى يستقبل الصف المتقدّم بوجهه ، فان رأى رجلاً متقدّماً من الصف أو متأخراً ضربه بالدرّة .. وهذا ما منعني من الوقوف في الصف الأول .

أقبل عمر لصلاة الفجر ، وكان الظلام ما يزال ، فاعترضه أبو لؤلؤة وسدّد له عدّة طعنات بخنجر ذي رأسين ، وطعن الذين أرادوا القاء القبض عليه ثم انتحر .

وصرخ عمر بالناس :

ـ دونكم الكلب فانه قد قتلني !
ومات من الذين جرحوا في الحادث سبعة اشخاص (1) .


*** *** ***


(1) الكامل في التاريخ 3 : 34 .





مصير الخلافة :


تدهورت حالة الخليفة الثاني الصحية ونصح الطبيب بكتابة الوصية ، وبرزت أزمة الخلافة من جديد فلا أحد يعرف من سيكون الخليفة القادم وكيف ؟ وقيل لعمر : لو استخلفت ؟
فقال الخليفة : ومن استخلف ؟ ... لو كان أبو عبيدة (1) حيّاً لاستخلفته لأنه أمين هذه الأمّة ، ولو كان سالم مولى أبي حذيفة حياً لاستخلفته لانه شديد الحبّ لله (2) .

شكل الخليفة مجلساً يتألف من ستة أشخاص هم : علي بن أبي طالب ، الزبير بن العوام ، عبد الرحمن بن عوف ، سعد بن أبي وقاص ، طلحة بن عبد الله ، عثمان بن عفان .

وضع الخليفة الثاني مساراً لأعمال المجلس وحدّد امتيازات الأعضاء بشكل تسير فيه الأمور لتسقط التفاحة في أحضان « عثمان ابن عفان » عثمان الذي حرّر بالأمس وثيقة العهد إلى عمر لمّا أغمي على الخليفة الأول !

هل كان إجراء الخليفة نوعاً من ردّ الجميل أو إستجابة لما يموج في عواطف « قريش » التي لا تكنّ لعلي أية مشاعر بالارتياح .

استدعى الخليفة الثاني أعضاء المجلس المؤقت ، فجاءوا جميعاً ، وتصفح عمر وجوه بعضهم قائلاً :

ـ اكلكم يطمع بالخلافة بعدي ؟

واعتصم الجميع بالصمت .. وكرر عمر السؤال ثانية وثالثاً .. فانبرى الزبير وقال بحدّة :

ـ وما الذي يبعدنا عنها ؟! .. وليتها أنت فقمت بها ولسنا دونك في قريش .. ولا في القرابة .

لقد نجح عمر بن الخطاب في ايقاظ كل الطموحات والاطماع في نفوس بعض الصحابة .

وانبرى عمر ليردّ الصاع صاعين في صراحة مريرة قائلاً :

ـ أفلا اخبركم عن أنفسكم ؟

تمتم بعضهم :

ـ أنا لو استعفيناك لم تعفنا .

التفت عمر إلى الزبير فقال :

ـ اما أنت يا زبير فوعق لقس ( كثير البرم ) مؤمن الرضا كافر الغضب يوماً انسان ، ويوماً شيطان ؛ ولعلها ( الخلافة ) لو افضت اليك ظلت يومك تلاطم بالبطحاء على مدٍّ من شعير !! فليت شعري من يكون للناس يوم تكون شيطاناً ؟!

والتفت إلى طلحة فقال :

ـ أقول أم اسكت ؟

ردّ طلحة بإنزعاج :

ـ إنك لا تقول من الخير شيئاً .

ـ أما أني أعرفك منذ أصيبت إصبعك من يوم أحد واتياً ( غاضباً ) بالذي حدث لك .. ولقد مات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم ساخطاً عليك للكلمة التي قلتها يوم انزلت آية الحجاب (3) .

وشعر سعد بن أبي وقاص بالضيق بعد أن وصله الدور ؛ قال عمر وقد أقبل عليه بوجهه :

ـ إنما أنت صاحب مقنب « جماعة الخيل » تقاتل به وصاحب قنص وقوس وأسهم ، ومازهرة (4) ، والخلافة وأمور الناس .

والتفت الخليفة إلى عبد الرحمن بن عوف وقال :

ـ اما انت يا عبد الرحمن فلو وزن نصف ايمان المسلمين بايمانك لرجح ايمانك ... ولكن لا يصلح هذا الأمر لمن فيه ضعف كضعفك ، ومازهرة وهذا الأمر !

وأما انت يا علي :

والتفت عمر إلى علي فلم يجد له عيباً سوى أن قال :

ـ لله أنت لولا دعابة (5) فيك ... أما والله لئن وليتهم لتحملنهم على الحق الواضح ، والمحجة البيضاء .

وجاء دور عثمان والتفت عمر إلى عثمان « مرشح قريش » فقال له :

ـ هيهاً اليك كأني بك قد قلدّتك قريش هذا الأمر لحبها إياك فحملت بني أمية وبني أبي معيط على رقاب الناس ، وآثرتهم بالفيء فسارت اليك عصابة من ذؤبان العرب ، فذبحوك على فراشك ذبحاً والله لئن فعلوا لتفعلن ، ولئن فعلت ليفعلن ..


وأخذ عمر بناصية عثمان وأردف :

ـ إذا كان ذلك فاذكر قولي .

وهنا جاء دور الإجراءات المشدّدة في خلق جوّ إرهابي سوف يساعد على دعم وتعزيز موقف عثمان .

استدعى عمر أحد الانصار وقال :

ـ يا أبا طلحة أن الله أعز الاسلام بكم فاختر خمسين رجلاً من الانصار فالزم هؤلاء النفر ( أعضاء الشورى ) بإمضاء الأمر وتعجيله ، واستدعى الخليفة « المقداد » وأصدر إليه آخر أوامره التي تنضح تهديداً ووعيداً :

ـ اجمع هؤلاء الرهط ( أعضاء الشورى ) في بيت حتى يختاروا رجلاً منهم ، فإن اجتمع خمسة وأبى واحد فاشرخ رأسه بالسيف ، وإن اتفق أربعة وأبى إثنان فإضرب رأسيهما وإن اتفق ثلاثة منهم على رجل ورضي ثلاثة منهم برجل آخر فحكموا عبد الله بن عمر ؛ فإن لم يرضوا فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف ؛ واقتلوا الباقين !

وأدرك علي من خلال كل هذا « السيناريو » أن الهدف الأخير هو حرمانه مرّة أخرى من حقه في الخلافة فقال لعمه العباس :

ـ يا عم لقد عدلت عنا .

قال العباس :

ـ ومن ادراك بهذا ؟!

قال علي وهو يميط اللثام عمّا وراء كل هذا « اللف والدوران » :

ـ « لقد قرن بي عثمان .. وقال : كونوا مع الأكثر ، ثم قال : كونوا مع عبد الرحمن ، وسعد لا يخالف ابن عمه ( عبد الرحمن ) وعبد الرحمن صهر لعثمان .. فاما أن يوليها عبد الرحمن عثمان أو يوليها عثمان عبد الرحمن ... » (6) .

يقول علي مؤرخاً لتلك اللحظات المريرة :

ـ « فصبرت على طول المدّة (7) وشدّه المحنة حتى إذا مضى لسبيله جعلها في جماعة زعم اني احدهم ، فيالله وللشورى .. متى اعترض الريب فيَّ مع الأول منهم ، حتى صرت أقرن إلى هذه النظائر ؟! لكنيّ اسففت إذ اسفّوا وطرتٌ إذا طاروا فصغا رجل لضغنه ومال الآخر لصهره مع هن وهنٍ إلى أن قام ثالث (8) القوم نافجاً حضينه بين نثيله ومعتلفه وقام معه بنو ابيه يخضمون مال الله خضمة الابل نبتة الربيع (9) » .
وهكذا بدأت أعمال الشورى في ظروف بالغة الحساسية , وبدأت الأطماع بالظهور والمصالح والمؤامرات في موازنات يمكن القول أنه محسوبة سلفاً ؛ فالتوزيع القبلي لأعضّاء الشورى يمنح الأرجحية لبني أمية .

لقد توقف التاريخ ملياً في السقيفة قبل أن يغير مساره وها هو الآن يتوقف مرّة أخرى لا ليغير من اتجاهه ولكن ليزيد من سرعة ذات المسار حيث المجتمع الإسلامي يفقد مقاييسه الصائبة في اختيار الحاكم اللائق .

توفي عمر بعد ثلاثة أيام وصلّى على جثمانه صهيب الرومي في غرّة المحرّم ؛ وبدأ أول لقاء لأعضاء الشورى ؛ وارتفعت نبرة الجدل العقيم .. لقد استيقظت في نفوس البقض شهوة الحكم والزعامة وضاع صوت علي وهو يحذر اصحاب النبي من العواقب الوخيمة التي ستسفر عن التنكر لكلمة الحق :

ـ لم يسرع أحد قبلي إلى دعوة حق ، وصلة رحم ، وعائدة كرم .. فاسمعوا قولي ، وعوا منطقي ، عسى أن تروا هذا الأمر من بعد هذا اليوم تنتضي فيه السيوف ، وتخان فيه العهود ، حتى يكون بعضكم ائمة لأهل الضلال ، وشيعة لأهل الجهالة (10) .

ومرّ يومان ولكن دون جدوى وقد حبس المجتمع الإسلامي أنفاسه ، مترقباً نتيجة الجدل الذي تحول الى صراع .

وجاء أبو طلحة الانصاري وأعلن أنه سينفذ أوامر الخليفة الراحل إذا انصرمت الأيام الثلاثة دون انتخاب خليفة :

ـ والذي ذهب بنفس عمر .. لا أزيدكم على الأيام الثلاثة التي أمرت .

وهنا وجه عبد الرحمن أول ضربة عندما أعلن تنازله عن حقه في الخلافة مقابل أن يكون له الحق في انتخاب الخليفة وانبرى عثمان لتأييد خطوة بن عوف ، وتهافت الآخرون على تأييد عبد الرحمن أيضاً فيما ظل علي معتصماً بالصمت .

التفت عبد الرحمن إلى علي وقال :

ـ ما تقول يا أبا الحسن ؟

وأدرك الامام ما وراء خطوة بن عوف فقال :

ـ اعطني موثقاً لتؤثرن الحق .. ولا تتبعن الهوى ولا تخصّ رحم ، ولا تألوا الامّة نصحاً .

وشعر عبد لرحمن أن مصير الخلافة قد أضحى في قبضته ، فأعطى لعلي ما يريد .. إنها في كل الأحوال مجرّد كلمات .

وهنا وجه عبد الرحمن ضربته القاضية عندما زجّ شرطاً لا مبرّر له كأساس للبيعة ؛ قال لعلي وهو في ذروة ايمانه أن علياً سيرفض :

ـ أبايعك على كتاب الله وسنّة رسوله وسيرة الشيخين (11) أبي بكر وعمر .

قال علي موضحاً موقفه الخالد ومعتزّاً بشخصيته الفريدة :

ـ بل على كتاب الله وسنة رسوله واجتهاد رأيي .

والتفت عبد الرحمن إلى عثمان فعرض عليه شروط البيعة فرددها عثمان على الفور وهو يكاد يطير فرحاً .

وهنا صفق عبد الرحمن على يد عثمان وهتف :

ـ السلام عليك يا أمير المؤمنين .

وخاطب علي بن أبي طالب عبد الرحمن قائلاً :

ـ احلب حلباً لك شطره ...

وأردف وهو يكشف له معرفته ما يدور فى الخفاء وراء الأبواب المغلقة :
ـ والله ما فعلتها إلا لأنك رجوت منه ما رجا صاحبكما من صاحبه (12) .

والتفت علي إلى « قريش » التي ألقت بكل ثقلها من أجل عثمان فقال بمرارة :

ـ ليس هذا أول يوم تظاهرتم فيه علينا ، فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون .

ونهض وغادر المكان وهو يتمتم بحزن :

ـ سيبلغ الكتاب أجله .

وشعر عمّار بن ياسر بالألم يعتصر قلبه فقال لعبد الرحمن :

ـ « يا عبد الرحمن .. أما والله لقد تركته وأنه من الذين يقضون بالحق وبه يعدلون » .

وأحسّ « المقداد » كأن خنجراً يمزق قلبه فقال :

ـ تالله ما رأيت مثل ما أتى إلى أهل بيت بعد نبيهم !!

واعجباً لقريش !!

لقد تركت رجلاً ما أقول ، ولا أعلم أن أحداً أقضى بالعدل ولا أعلم ، ولا أتقى منه .

وأردف بغضب :

ـ أما لو أجد أعوانا ..

ولم تكن الصفات التي ذكرها المقداد سوى عيوباً لعلي في زمن يتنكّر للمجد الاخلاقي ... ولا يعرف غير الاساليب الهابطة طريقاً لتحقيق غايات تافهة سرعان ما تزول .

وهكذا بات على علي أن يطول رحلة العذاب صابراً محتسباً حتى يبلغ الكتاب أجله .




*** *** ***

(1) أبو عبيدة بن الجراح أحد الثلاثة بعد أبي بكر وعمر الذين دهموا اجتماع « السقيفة » وغيّروا مسار الأحداث .

(2) سالم بن عبيد بن ربيعة ، أبو عبد الله من أهل اصطخر ببلاد فارس وكان سبياً حمل إلى مكة فاشترته ثبيته بنت يعار ، زوجة أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة ، ثم اعتقته فتبنّاه أبو حذيفة وزوّحه ابنة أخيه فاطمة بنت الوليد بن عتبة . كان من فضلاء الصحابة وكبار الموالي ، ومن المهاجرين إلى المدينة قبل هجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلّم ، وكان من القرّاء . شارك في حرب المرتدّين باليمامة ، اخذ الراية بعد مقتل زيد بن الخطاب فقطعت يمينه فأخذها بيساره فقطعت فاعتنقها وهو يهتف : « وما محمّد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل » ، « وكايّن من نبي قاتل معه ربّيون كثير » حتى سقط شهيداً .

(3) كان طلحة قد قال : ان قبض محمد أنكح أزواجه من بعده فما جعل الله محمداً أحق ببنات اعمامنا ! . وفي هذه المناسبة نزلت الآية الكريمة : « وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا ازواجه من بعده ابدا » | الأحزاب : 53 .

(4) قبيلة سعد .

(5) لا يذكر التاريخ أحداً وصف علياً بالدعابة سوى عمر بن بن الخطاب وهو أمر يثير تساؤلات عديدة .

(6) تاريخ الطبري 5 : 35 .

(7) فترة حكم الخليفة الثاني .

(8) الخليفة الثالث .

(9) نهج البلاغة : الخطبة 3 .

(10) نهج البلاغة .

(11) لم تكن سيرة الشيخين سوى شرط وهمي فلقد تقاطعت سيرتهما في نقاط بالغة الأهمية .

(12) وفي هذا اشارة واضحة إلى أن اتفاقاً سابقاً كان بين ابي بكر وعمر حمل مصير الخلافة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلّم .



من مواضيعي

0 احقا اننا نهوى علياً !!
0 هل تستطيع العيش في غرفة واحدة ؟ شاهد الصور لتعرف !
0 معنى كلمة الشاطر.. !!
0 أكذوبة السير على القمر .. وثائقي بالصور !!
0 ( إلا علي ) لـ كمـال الســـيد ,, ( متابعة )


التوقيع :
.
.
شهر الحسين أقبلا

هبت به ريح البلا
فل نرتدي أحرامنا للحج نحو كربلاء
  رد مع اقتباس
قديم 10-05-2010, 09:31 AM   #19
تتدلى من عنآآآقيـد " السمآآآء . . !
 
الصورة الرمزية يتيمة علي

الدولة :  ..// اللآمكآن // ..
هواياتي :  كل شيء غالباً ماعدآ كرهـ القدم هع

مشاهدة أوسمتي

يتيمة علي غير متواجد حالياً
افتراضي


توهجات الزمن الثالث :



بدأت بخلافة عثمان حقبة زمنية جديدة ، حقبة شهدت ظهور أعداء الإسلام القدامى من أمثال أبي سفيان ومروان والوليد وتولّيهم المناصب الرفيعة وأصبحت مقدّرات البلاد وثروتها حكراً على بني أمية .


وارتفعت القصور المنيفة إلى جانب الأكواخ لتشهد على مدى الحيف الذي حلّ بالشرائح المسحوقة من المجتمع الإسلامي .

وأدرك أبوسفيان أن الأوان قد آن للثأر من محمد فجاء إلى الخليفة الثالث وخاطبه بكل وقاحة قائلاً :

ـ يا بني أمية بلاقفوها تلاقف الكرة فوالذي يحلف به أبو سفيان (1) لا جنّة ولا نار .

جاءت الشرطة تسوق إمرأة شابة تزوجت منذ ستة أشهر وقد أنجبت ... فثارت الشكوك حول عفتها قبل الزواج ؛ ورفع الزوج الأحمق الشكوى ضدها ، فأصدر خليفة المسلمين عثمان حكماً بإعدامها رجماً بالحجارة ؛ وأُخذت المسكينة إلى ساحة الإعدام ، كانت تنظر إلى السماء بعينين غارقتين بالدموع فليس هناك من يطلع على السرائر سوى الله ..

قالت الفتاة الشابة التي لم تهنأ بعد بعرسها ... قالت لأختها :

ـ يا اخية لا تحزني ... فوالله ما مسّني أحد قط غيره .

وهب علي بن أبي طالب بعدما اطّلع على حيثيات القضية فقال لعثمان :

ـ إن خاصمتك بكتاب الله خصمتك .
ـ ؟!!
ـ إنّ الله تعالى يقول : « وحمله وفصاله ثلاثون شهراً » .

ثم قال عزوجل : « والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة » , فحولين مدّة الرضاعة وستة أشهر مدّة الحمل .


جرت العملية الحسابية في ذهن عثمان بسرعة فقال مبهوتاً :

ـ ما فطنت لهذا .

ثم أصدر أمره بإطلاق سراح الفتاة وإلغاء عقوبة الموت بحقها ولكن رسول الخليفة وصل متأخراً ... لقد تم تنفيذ الحكم ورحلت الفتاة إلى السماء تشكو إلى بارئها ظلم الانسان (2) .

بلغ استهتار الوليد بن عقبة واليّ الكوفة حدّاً لا يطاق ولكن الوليد لم يكن ليكترث لأي كان مهما بلغت منزلته ، فهو أخو الخليفة لأمّه ؛ وهكذا انصرف إلى حياة الملاذ والترف ، وهام بالخمرة يكرع كؤوسها سرّاً وعلانية .

وجاء ذات صباح إلى مسجد يترنّح سكران بنشوة الخمر ، وراح يقرأ في صلاته بعد أن وقف بصعوبة في المحراب :

ـ علق القلب الربابا .. بعد ما شابت وشابا .

ويقول في سجود :

ـ اشرب واسقني .

واجتاحته رغبة عارمة بالقيء فتقيأ !

وهكذا أتمّ الوالي صلاة الفجر في اربع ركعات .. والتفت ليخاطب المسلمين بكل وقاحة :

ـ هل ازيدكم ؟!

أجاب الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود ساخطاً :

ـ لا زادك الله خيراً .. ولا من بعثك الينا .

وراح الناس يقذفونه بالحصى وهو يترنح في طريقه إلى القصر ..

أثار الحادث غضب جماهير الكوفة فانطلق وفد إلى المدينة بعد أن انتزعوا خاتم الوالي السكران ..

وقابل عثمان الوفد بلهجة فيها غيظ قائلاً :

ـ وما يدريكم إنه شرب الخمر ؟

أجاب أعضاء الوفد :

ـ هي الخمر التي كنا نشربها في الجاهلية .

وقدّم أحدهم إلى الخليفة خاتم الوليد :

ـ انتزعناه من إصبعه وقد كان ثملاً .

شعر الخليفة بالحقد فضرب أحد أعضاء الوفد في صدره ودفعه , وغادر الوفد قصر الخليفة آسفاً لموقف عثمان .. ولم يجد الوفد الكوفي حلاً سوى اللجوء إلى علي بن أبي طالب فلعلّه يوقف عثمان وولاته عند حدودهم .

وانتفض علي وهرع إلى قصر الخليفة وخاطب عثمان بلهجة تتشظى غضباً مقدساً :

ـ دفعت الشهود وأبطلت الحدود ؟!

وأدرك عثمان أن الأمور دخلت منعطفاً خطيراً فقال بلهجة فيها مداراة :

ـ ما ترى ؟

قال علي بحزم :

ـ أرى أن تبعث إلى صاحبك ( الوليد ) فإن قامت الشهادة في وجهه ولم يدل بحجة أقمت عليه الحدّ .

وصدر أمر باستدعاء والي الكوفة للتحقيق مع حول الحادث ؛ وجاء الوليد غير مكترث كعادته .. انه يعرف عثمان جيداً !

حضر الشهود وأدلوا بإفاداتهم ضد الوليد بأنه شرب الخمر ، وصلّى الفجر ثملاً أربع ركعات وتقيأ في المحراب .

لم ينبس الوليد ببنت شفه واكتفى بالنظر ساخراً إلى وجوه الشهود .. كانت لحظات مثيرة فقد أصبح حكمه واضحاً أن يجلد ثمانين سوطاً عقوبة شارب الخمر .. ولكن من يجرؤ على تنفيذ الحكم وهو أخو الخليفة وواليه المدلّل !

ومرّة أخرى نظر الوليد بسخرية إلى من جاءوا يشهدون عليه , وهنا حدث من لم يخطر ببال أحد ، فقد اندفع علي وانتزع السوط ، وفّر الوليد هنا وهناك ولكن علي سرعان ما أمسك به وضرب به الأرض ، وتوالت سياط على الغاضبة تلهب جسم الوالي الفاسق ؛ وصرخ عثمان :

ـ ليس لك أن تفعل هذا به !

فردّ علي بغضب سماوي :

ـ بلى وشر من هذا إذ فسق ومنع حق الله أن يؤخذ منه !

وهكذا سقط الوالي إلى الحضيض .. ولكن عثمان لم ينس « اخاه » لأمّه فاسند اليه مهمّة جديدة إذ عينه جابياً لصدقات « كلب » و« بلقين » (3) .

وانطوى علي على جراحه فليس في الأفق ما يبشر بخير .



*** *** ***

(1) كثيراً ما سمع عنه تمجيده لهبل ؛ كما حدث في معركتي أحد وحنين .

(2) شبّ الصبي وكانت ملامحه تشبه ملامح ابيه فاعترف به .

(3) تاريخ اليعقوبي 2 : 142 .




حوادث الزمن الثالث :


استهل عثمان خلافته بتمكين بني أمية من مقاليد الحكم ، وتسنم مروان بن الحكم أرفع المناصب حتى كان خاتم الخلافة في يده يحكم ما يشاء ؛ وفي عهد عثمان تصاعدت وتيرة الفتوحات وراحت الجيوش الإسلامية تسيح في الأرض شرقاً وغرباً (1) ؛ وكنوز الغنائم تتدفق ليكون طريقها إلى بني أمية ، وبعض الصحابة الذين وجدوا في سياسة عثمان ما يشبع طموحاتهم وأطماعهم في المال والثراء .

وفي مقابل هذا نجد صفحات تضج بالمآسي عنما يحتج بعض الصحابة على ظاهرة الانحراف التي لم يعد السكوت عنها .

إن التأمل في ما عاناه الصحابي المظلوم أبي ذر الغفاري على أيدي الأوغاد من بني أمية سوف يلمّ بصورة مصغرة عن عمق المحنة التي عصفت بالإسلام والأمّة بل وحتى الأجيال القادمة ؛ كما أن التوقف عند مشهد أبي ذر حبيب محمد صلى الله عليه وآله وسلّم وهو يضرب بقسوة ويهان في « المدينة » عاصمة الإسلام سوف يتذكر ولا ريب معاناته في مكّة يوم كانت الكعبة تضجّ بالاوثان وكان الوثنيون ينهالون على « جندب بن جنادة » وقد هتف : ان لا إله إلا الله ... محمد رسول الله ؛ وسوف يكتشف المرء أن الذين كانوا يضربونه في مكّة قد عادوا مرّة أخرى يجلدونه في يثرب بعد أن تلبسوا ثوب الاسلام كرهاً وزوراً .


*** *** ***


(1) وفي عهده فتحت ارمينيا وآذربيجان وافريقيا ، وبدأ غزو الروم براً وبحراً وفتحت جزيرة قبرص وفي سنة 27 انطلقت قوّة بحرية لاحتلال شواطئ الاندلس وبدأت الاستعدادات لمهاجمة القسطنطنية ، واقتحام أروبا عن طريق اسبانيا .





الدين والدنيا ... معادلة الصراع :


ها هو أبو ذر يعود من الشام منهكاً أرهقه الجلاّدون سيراً ، وهو الشيخ الذي أنهكته السنون والأيام من قبل .

عاد إلى المدينة ... غريباً وحيداً لم يستقبله أحد .. انها أوامر مروان الخليفة الفعلي للبلاد ..

لم يجد عثمان مع أبي ذر حلاً إلا أن يقتله أو ينفيه ليموت وحيداً ...

لقد بلغ الإرهاب ذروته فلم يخرج لتوديع أبي ذر إلا علي وأخوه ( عقيل ) وإبناه ( الحسن والحسين ) والصحابي الجليل عمار ابن ياسر ... أما الآخرون فقد خافوا سطوة مروان .. وجاء مروان ثائراً يتهدد ويتوعد الذين تمرّدوا على إرادة الخليفة ..

كان الحسن يحدّث أباذر ، عندما صرخ مروان :

ـ أيها يا حسن ألا تعلم أن أمير المؤمنين نهى عن كلام هذا الرجل ؟
فان كنت لا تعلم فاعلم !

ولم يجد علي بن أبي طالب ردّاً مناسب سوى أن ضرب بالسوط بين أذني راحلته فولّى مذموماً مدحوراً .

وبدأت مراسم توديع صحابي آمن بالله ورسوله وطوى سنوات عمره مجاهداً الذين أشركوا والذين في قلوبهم مرض .

تقدّم علي شدّ بيده على يد صاحب رسول الله وقال :

ـ يا أبا ذر إنك غضبت لله ..

إن القوم خافوك على دنياهم وخفتهم على دينك فإترك في أيديهم ما خافوك عليه واهرب منهم بما خفتهم عليه فما أحوجهم إلى ما منعتهم وما أغناك عمّا منعوك وستعلم من الرابح غداً ، والأكثر حسداً ، ولو أن السموات والأرضين كانتا على عبد رتقاً ثم اتقى الله لجعل الله له منها مخرجاً ، يا أبا ذر لا يأنسك إلا الحق ولا يوحشك إلا الباطل .

وتقدم عقيل ليسجل تضامنه قائلاً :

ما عسى أن نقول يا أبا ذر ، أنت تعلم أنّا نحبّك وأنك تحبّنا فاتق الله فإن التقوى نجاة ، واصبر فان الصبر كرم . واعلم أن أستثقالك الصبر من الجزع ، واستبطائك العافية من اليأس فدع اليأس والجزع .

وقال الحسن مصبّراً :

يا عماه لو لا أنه لا ينبغي للمودّع أن يسكت وللمشيع أن ينصرف لقصر الكلام وإن طال الأسف ... فضع عنك الدنيا بتذكر فراقها .. وشدّة ما اشتد منها برجاء ما بعدها واصبر حتى تلقى نبيك صلّى الله عليه وآله وهو عنك راض .

وقال الحسين كلمته التي تنضح احتقاراً للدنيا ، وتمجيداً للدين والكرامة :

ـ يا عماه إن الله قادر أن يغير ما قد ترى والله كل يوم في شأن , وقد منعك القوم دنياهم ومنعتهم دينك ، فما أغناك عما منعوك وأحوجهم إلى ما منعتهم ، فاسأل الله الصبر والنصر ..

وتقدم عمار يودّع صاحبه بكلمات هي مزيج من الحزن والغضب قائلاً :

ـ لا آنس الله من أوحشك ولا آمن من أخافك أما والله لو أردت دنياهم لأمنوك ، ولو رضيت أعمالهم لأحبوك وما منع الناس أن يقولوا بقولك إلا الرضا بالدنيا والجزع من الموت ومالوا إلى السلطان جماعتهم والملك لمن غلب فوهبوا لهم دينهم ومنحهم القوم دنياهم . فخسروا الدنيا والجزع من الموت ومالوا إلى السلطان جماعتهم والملك لمن غلب فوهبوا لهم دينهم ومنحهم القوم دنياهم . فخسروا الدنيا والآخرة ألا ذلك هو الخسران المبين .


وبكى أبو ذر .. فجّرت كلمات الوداع دموعه حرّكت كوامن الجراح في قلبه المترع بالحزن .. تصفح بعينيه الغارتين بالدموع وجوه مودّعيه كأنه يريد أن يرتوي منها ويتزوّد بها ذكريات تعينه على وحشة الأيام القادمة قال أبو ذر :

ـ رحمكم الله يا أهل بيت الرحمة .. إذا رأيتكم ذكرت بكم رسول الله .. مالي بالمدينة سكن ولا شجن غيركم ... إني ثقلت على عثمان بالحجاز ، كما ثقلت على معاوية بالشام ، وكره أن أجاور أخاه وابن خاله بالمصرين (1) ... فسيرني إلى ليس لي به ناصر ولا دافع إلا الله وما أريد إلا الله تعالى وما أخشى مع الله وحشة .

وراح أبو ذر يجر خطاه المتعبة إلى منفاه في الربذة تلك البقعة الجرداء الملتهبة من دنيا الله .

ترك هذا الإجراء التعسفي من لدن حكومة عثمان (2) جرحاً لا يندمل في قلوب المؤمنين ... وغضباً مكبوتاً سوف ينفجر بعد حين ولسوف يبقى ضريح أبي ذر في تلك الصحراء علامة استفهام كبرى فوق رؤوس الذين لم يتحمّلوا صوته ... صوت المقهورين والمحرومين .


*** *** ***


(1) الكوفة والبصرة .
(2) انتقد علي عليه السلام عبد الرحمن بن عوف بمرارة وحمّله مسؤولية ما عاناه أبو ذر قائلاً : هذا عملك ، وقد اعرب الاخير عن ندمه العميق .


من مواضيعي

0 سين جيم في السور القرآنية ... ( متجدد )
0 ما الفرق في ترتيب الأهل بين سورتي عبس وسورة المعارج .. ( وشيء آخر )
0 احقا اننا نهوى علياً !!
0 ماذا يقول الكتاب المقدس عن محمد عليه الصلاة و السلام؟‏‎
0 انتقال‌ المرض‌ بواسطة‌ النور‎ !!


التوقيع :
.
.
شهر الحسين أقبلا

هبت به ريح البلا
فل نرتدي أحرامنا للحج نحو كربلاء
  رد مع اقتباس
قديم 10-05-2010, 09:36 AM   #20
تتدلى من عنآآآقيـد " السمآآآء . . !
 
الصورة الرمزية يتيمة علي

الدولة :  ..// اللآمكآن // ..
هواياتي :  كل شيء غالباً ماعدآ كرهـ القدم هع

مشاهدة أوسمتي

يتيمة علي غير متواجد حالياً
افتراضي


اندلاع الثورة :



تململت الأمّة الإسلامية ... غضبت لكرامتها المهدورة واستيقظ الضمير المسلم بعد أن أدركت الجماهير أنها لم تعد سوى سلعة في أيدي الحاكمين ، وإنها جزءاً من أملاك قريش وبالتحديد تلك الأسرة المتغطرسة والشجرة الملعونة في القرآن التي تدعى بـ « بني أمية » .

وشعر بعض الصحابة الذين ما انفكّوا يقاتلون تحت رايات الفتح الإسلامي لتحرير الأمم المقهورة أن الجهاد الحقيقي هو في المدينة المنورة بإزالة تلك الطغمة الظالمة التي استبدت بالحكم فقهرت العباد وعاثت في البلاد (1) .


وهكذا بدأت المعارضة الشعبية والواسعة في كل البلاد الإسلامية بإستثناء الشام حيث يحكم معاوية ؛ وينفذ سياسته الذكية في غسل الأدمغة ... بدأت المعارضة كهمسات وتساؤلات وكلمات لاذعة (2) .. ثم أخذت بالانفجار ، في العاصمة ذاتها إذ رفع لواءها صحابة النبي
صلى الله عليه وآله وسلّم بعدما شهدوا بأمّ أعينهم ما يجري على الإسلام من مصائب تهددّه بالفناء والزوال .



*** *** ***


(1) خاطب أحد الصحابة وهو : « محمد ابن ابي حذيفة » جموع المحاربين الذين قهروا الرومان في معركة « ذات الصواري » قائلاً : إنكم تسعون إلى الجهاد والجهاد وراءكم في المدينة .. حيث يقيم عثمان فيسوس الأمّة على غير كتاب الله وسنة رسوله وسياسة صاحبيه .. يعزل أصحاب رسول الله من العمل ، ويولي أمور المسلمين جماعة من الفساق واصحاب المجون ... انظروا إلى قائدكم في الجهاد ( عبد الله ابن أبي سرح ) لقد نزل القرآن بكفره وأهدر النبي دمه ، ولكن عثمان يوليه أمركم لأنه اخوه في الرضاعة .

(2) بدأت المعارضة الشعبية بشكل خفي على شكل كلمات مرّة تجري على السنة الناس لا يعرف صاحبها .. من قبيل : « يوسع عثمان مسجد النبي ويترك سنته » وقد قيلت بمناسبة قرار الخليفة بتوسعة المسجد ، وكذلك عندما أصدر حكمه بذبح الحمام .فقيل :يأمر بذبح الحمام ويؤوي طريد رسول الله وذلك تعريضاً بايواء عثمان للحكم بن ابي العاص وبنيه .



مصرع عثمان :


تفاقمت الأوضاع بشكل ينذر بوقوع كارثة ، فقد تمادت أجهزة الخلافة بالقمع .. وأرهبت بشكل لم يسبق مثيل كل من حاول الاعتراض على سياسة الحكم المالية .

وقد وصل التذمّر حدّاً جعل عبد الرحمن بن عوف الذي يقف وراء وصول عثمان سدّة الخلافة ، جعله يعرب عن ندمه العميق قائلاً :

ـ لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما ولّيت عثمان شسع نعلي

وتمتم في اللحظات الأخيرة من حياته وهو على فراش الموت :

ـ عاجلوه .. عاجلوه قبل أن يتمادى في ملكه .

وكانت آخر وصاياه أن لا يصلّي عليه عثمان ، وتصاعدت وتيرة المعارضة في الشهور الأخيرة من حياة الخليفة الثالث ، وما أكثر ما سمع الناس أم المؤمنين عائشة تهتف بالمسلمين قائلة :

ـ اقتلوا تعثلاً فقد كفر .

ولوّحت مرّة بقميص النبي صلى الله عليه وآله وسلّم وصاحت :

ـ اقتلوا نعثلاً فقد كفر .

ولوّحت مرّة بقميص النبي صلى الله عليه وآله وسلّم وصاحت :

هذا قميص رسول الله لم يبل وعثمان قد أبلى سنته .

ولم تكن المعارضة تمثيل تياراً واحداً بل جمعت تحت لواءها تيارات عديدة والتقت فيها بواعث عديدة فهناك الغاضبون لحرمانهم من بعض الامتيازات (1) ، وهناك الطامعون بالخلافة منذ أن نفخت الشورى في روحهم أنهم أهلاً لها (2) ، وهناك الجماهير المتذمّرة التي وجدت نفسها مهدورة الكرامة ، وهناك الضمير الإسلامي الحيّ الذي يمثله أجلاء الصحابة ابتداءً بـ أبي ذر الغفاري و عبد الله بن مسعود و عمّار بن ياسر ..


وفي كل تلك التيارات التي هزّت الأمّة الإسلامية من الأعماق ، يقف علي بن أبي طالب موقفه الفريد في تفادي الكوارث التي تنذر بوقوع الإنفجار والدمار ؛ واستطاع الإمام أن يكتسب ثقة الجميع بما في ذلك عثمان نفسه ، أما زوجته فقد كانت تؤمن إيماناً عميقاً أن علياً عليه السلام هو وحده الذي سيجنب عثمان الوقوع في الهاوية لو التزم الأخير نصائح الإمام ؛ وبالرغم من كل هذا فلم يكن عثمان ليرتاح (3) إلى علي ابداً . لقد أصبح الخليفة الثالث مجرّد أداة في يد مروان .




ومن المؤسف أن عثمان لم يرع حرمة الخلافة حتى في تهجمه على مناوئيه ، وصدرت منه ألفاظ نابية لا تليق ليس بمركزه فحسب بل وبشيخوخته أيضاً (4) .



*** *** ***



(1) اصدر عثمان أمراً بعزل عمرو بن العاص عن فلسطين فثارت ثائرة الأخير وراح يؤلب الجماهير ضد عثمان ووصل به الأمر أنه كان يلتفي رعاة الغنم فيحرّضهم ضد عثمان ؛ وقد ذكر بنفسه ذلك قائلاً : والله اني كنت لالقي الراعي فاحرّضه على عثمان !!
(2) طلحة والزبير .
(3) كان عثمان على وشك أن ينفي عمار بن ياسر إلى الربذة بعد وفاء أبي ذر في منفاه ، فاستنجدت قبيلة « مخزوم » بالإمام الذي التقى عثمان وقال له : اتق الله فانك سيرت رجلاً صالحاً من المسلمين ، فهلك في تسييرك ، ثم أنت الآن تريد أن تنفي نظيره .
فردّ عثمان ثائراً :انت احق بالنفي منه .
ولم يزد الإمام أن قال : افعل أن شئت . وقد الغي الأمر بعد اجتماع للمهاجرين والأنصار | تاريخ اليعقوبي 2 : 150 .

(4) خاطب عثمان عمّار ذات مرّة قائلاً : يا عاض إيرابيه ومرّة أخرى خاطبه : يا بن المتكاء . والمتكاء الذي لا يمسك البول .



الحصار الأول :




حاول الإمام أكثر من مرّة توجيه الأحداث بعيداً عن الكارثة القادمة ودفع المعارضة والمؤسسة الحاكمة إلى جادة الصواب وفي كل مرّة يبرز مروان ليحبط تلك المساعي الخيّرة من خلال مواقفه الهابطة التي تنم عن حقد أعمى ، وعن نفسية ملوّثة وعقلية خاوية . وهكذا تدفّق الثوار من كل حدب وصوب ، ولم يعد هناك من طريق سوى الثورة .


وفي مطلع ذو القعدة بدأت وفود الثائرين بالوصول إلى عاصمة البلاد , فقد وصل كل من مالك الاشتر ومعه ألف من الثوار في أربع فرق ، ووصل حكيم بن جبله العبدي ومعه مئة وخمسون ثائر .

ووصلت جموع المصريين التي ناهز عددها الألفين وأحدقت الجماهير الغاضبة بقصر عثمان وقدّمت مطاليبها العادلة وهي :

ـ العودة إلى سياسة النبي في العطاء والتي تنهض على مبدأ المساواة والغاء الامتيازات التي سنّها الخليفة الثاني عمر بن الخطاب ، وجيّرها عثمان لصالح قبيلته .

ـ تطهير المؤسسة الحاكمة من العناصر الفاسدة وفي طليعتهم مروان بن الحكم .

ـ الحدّ من أطماع الأمويين واحتكار المناصب لصالحهم .

ـ وقف الإجراءات الكيفية التي يمارسها الولاة إزاء رعايا الدولة والحدّ من صلاحيات الحكام في التصرّف بالأموال العامّة .

وتجاهل الخليفة مطاليب الثائرين وتأزم الوضع واتخذ التجمع الجماهيري الضخم شكل الحصار ؛ وانقطعت سبل التفاهم بين عثمان والثوار .

وفي تلك اللحظات الحساسة استنجد الطرفان بالإمام علي للتدخل قبل أن يحدث ما لا تحمد عقباه .

ولبّى الإمام رغبة الجميع وقبل الوساطة فانطلق يشق طريقه إلى قصر الخلافة واجتمع بعثمان . بدأ الإمام حديثه مع الخليفة فقال ناصحاً :

ـ الناس ورائي وقد كلموني فيك .. ووالله ما أدري ما أقول لك وما أعرف شيئاً تجهله .. ولا أدلك على أمر لا تعرفه ..
إنك لتعلم ما نعلم .. وما سبقناك إلى شيء فنجدك عنه .. ولا خلونا بشيء فنبلغه .. وما خصصنا بأمر دونك ..
فالله الله في نفسك فانك والله ما تبصر من عمى وما تعلم من جهل ، وإن الطريق لواضح بيّن ..


وذكّر الإمام الخليفة بخطر مروان .. فقال :

ـ لا تكن لمروان سيّقة يسوقك حيث يشاء .


وأضاف في حديثه إلى أن الولاة يسيئون سياسة الناس وينسبون ذلك إلى عثمان :

ـ ان معاوية يقتطع الامور دونك فيقول للناس هذا أمر عثمان فيبلغك ولا تغير على معاوية .

ولقد حثت « نائلة » زوجها على الإصغاء إلى نصائح علي فهو وحده الذي يمكنه أن يقنع الثوّار بالعودة ؛ لهذا قال عثمان صادقاً :

ـ يا أبا الحسن : ائت هؤلاء القوم فادعهم إلى كتاب الله وسنّة نبيه صلى الله عليه وآله وسلّم .

قال الإمام مشترطاً :

ـ نعم .. إن أعطيتني عهد الله وميثاقه على إنك تفي لهم بكل ما أضمنه عنك .

أجاب عثمان :

ـ نعم .

وأخذ علي عليه السلام العهود على الخليفة بإصلاح الاُمور وخرج علي يبشر الجماهير المحتشدة وعلت الهتافات من كل صوب :

ـ ما وراءك ؟

فأجاب الإمام :

ـ بل أمامي ... تُعطون كتاب الله وتُعتبون من كلّ ما سخطتم .

وفي هذه الكلمات أوجز الإمام كل مطاليبهم التي ثاروا من أجل تحقيقها ...

وتساءل زعماء الثورة :

ـ أتضمن ذلك عنه .

فقال علي عليه السلام :

ـ نعم .

ـ رضينا .

وهكذا تقرر اجتماع بعض زعماء الثائرين بعثمان لتحرير ما أعلن الخليفة الثالث , وهذه صيغة التعهد كما وردت في كتب التاريخ :

بسم الله الرحمن الرحيم
هذا كتاب من عبد الله عثمان أمير المؤمنين ..
لمن نعم عليه من المؤمنين والمسلمين ..
لن لكم أن اعمل فيكم بكتاب الله وسنّة نبيه صلى الله عليه وآله وسلّم .
يعطى المحروم .
ويؤمن الخائف .
ويردّالمنفي .
ولا تجمر البعوث « لا تبقى مرابطة في أرض العدوّ » .
وتوفر الفيء .
وعلي بن أبي طالب ضمين المؤمنين والمسلمين على عثمان بالوفاء في هذا الكتاب .

الشهود : الزبير بن العوام | طلحة بن عبيد الله | سعد بن ابي وقاص | عبد الله بن عمر | زيد بن ثابت | سهل بن حنيف | أبو أيوب الأنصاري | خالد بن زيد ، وقد حرّر الكتاب في ذي القعدة سنة 35 هـ .

ونصح الإمام علي الخليفة عثمان بن عفان بأن يواجه الجماهير شخصياً ويعلن على الملأ العام سياسه الجديدة .

ونهض عثمان ليواجه الجماهير ، وفي قلبه عزم على أن يعود إلى جادّة الصواب :

ـ سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم يقول : من زلّ فلينب ...
وأنا أول من اتعظ .. فإذا زللت فليأتي أشرافكم فليردّوني برأيهم .. فوالله لو ردّني إلى الحق عبد لاتبعته ، وما عن الله مذهب إلا إليه ...

وأشرقت وجوه الجماهير بالفرحة والأمل ...

وخرج الإمام علي فتحدّث إلى الوفد المصري الذي فضل العودة إلى دياره بعد أن حمل نسخة من كتاب الخليفة .

وهنا تدخل مروان فأجهض كل تلك المساعي الطيبة ... إذ سطّر كتاباً بإسم الخليفة ومهره بخاتم الخليفة وسلمه إلى غلام الخليفة , وأركبه جملاً تعود ملكيته للخليفة المغلوب على أمره ؛ وقد بلغ من خبث مروان إنه طوى الكتاب ووضعه في أنبوب في قارورة ووضع القارورة في قربة ملأى بالماء ... وقال للغلام :

ـ حث السير حتى تصل مصر فتسلمه إلى عبد الله بن سعد .

وتشاء الأقدار أن يكتشف الوفد المصري وهو في طريق العودة إلى دياره .. المبعوث المشبوه وبعد تفتيش دقيق عثر أحد أعضاء الوفد على أنبوبة الرصاص وفيها كتاب ينضح بالدم والموت :

أما بعد :
فإذا قدم عليك عمرو بن بديل فإضرب عنقه واقطع يدي ابن عديس وكنانة وعروة ثم دعهم يتشحطون في دمائهم حتى يموتوا ..
ثم أوثقهم الى جذوع النخل (1) .

وثارت ثائرة الوفد المصري الذي قرر العودة (2) إلى المدينة والإطاحة بعثمان .

توجه الوفد المصري إلى علي الذي ضمن الخليفة ؛ وشعر علي بالغضب وهو يتأمل كتاب عثمان وأوامره بتصفية زعماء الوفد ..

وانطلق الإمام الى قصر عثمان ، وقد فوجئ الأخير بالكتاب وأقسم إنه لا يعلم منه شيئاً وأنه لم يكتبه ولم يأمر بكتابته ولكنه اعترف قائلاً :

ـ اما الخط فخطّ كاتبي .. والختم خاتمي ..

وكان لا بدّ من اتهام أحد بحبك هذه المؤامرة ... فسأل علي :

ـ فمن تتهم ...

لقد انفتحت أمام عثمان فرصة رائعة .. للتحقيق في الأمر ومن ثم الثأر لكرامته التي أهدرها مروان بتصرفاته الحمقاء .. ولكننا نجد عثمان ومع بالغ الأسف يجيب دون رويّة قائلاً :

ـ اتهمك واتهم كاتبي !!

ونهض علي غاضباً .. وشعر بأن دوره كوسيط قد انتهى وأن عثمان قد مات .. منذ زمن .. منذ الأيام التي سلّم فيها أُموره إلى مروان وراح ينقاد وراءه .

تمتم علي بحزن :

ـ ما يريد عثمان أن ينصحه أحد .. اتخذ بطانة غش ليس منهم أحد إلا وقد تسيّب بطائفة من الأرض يأكل خراجها ويستذل أهلها .


*** ***


(1) من يتأمل في صيغة الكتاب يلمس بوضوح ما يموج في نفسيّة مروان من دمويّة ووحشية .
(2) كان الوفد المصري قد وصل إيلة في اقصى شمال الحجاز .



الحصار الثاني :


تدهورت الأوضاع بسرعة مثيرة ، وهتف المصريون بعثمان ولوحوا بالكتاب :

ـ يا عثمان أهذا كتابك ؟

وأنكر عثمان ذلك وأقسم .

فصاح المصريون :

ـ هذا شرّ ، يكتب عنك بما لا تعلم ، مثلك لا يليق بالخلافة فاخلع نفسك عنها .

أجاب عثمان وقد سدّ جميع أبواب السلام :

ـ ما كنت لأنزع قميصاً سربلنيه الله !

وهكذا فُرض الحصار مرّة أخرى ، وتأزمت الأحداث وقد أوشك الوضع على الإنفجار .

وتقدم شيخ قد هدّته السنون من أصحاب (1) النبي صلى الله عليه وآله وسلّم ، وناشد عثمان بإطفاء نار الفتنة بإعتزاله الخلافة والحكم ، وفيما هو يحاور عثمان انطلق سهم فأصاب من الشيخ الصحابي مقتلاً فهوى شهيداً .. وانفجر الوضع وتعالت هتافات الجماهير بتسليم القاتل ، ورفض عثمان الاستجابة كعادته قائلاً :

ـ لم أكن لاقتل رجلاً نصرني ..

وفي فورة غضب اندفعت الجماهير بإتجاه باب القصر فأحرقته ..

ووقعت عدّة اشتباكات عنيفة .. وممّا دفع بالأمويين إلى القتال . ومواجهة الجماهير بالعنف أخبار عن زحف قوّات عسكرية من الشام (2) بإتجاه المدينة ؛ ومع كل هذا فقد تخلّى مروان عن الخليفة وفرّ مع بعض الأمويين وتركوا عثمان يواجه مصيره المحتوم وحيداً .. ولقي عثمان مصرعه تحت ضربات المهاجرين والأنصار ، وهكذا أسدل الستار على حياة الخليفة الثالث .. الذي تُرك ثلاثة أيام بلا دفن وتضاربت الأنباء حول غسله ورفضت الجماهير فيما بعد دفنه في مقبرة البقيع فدفن كما أجمعت مصادر التاريخ في بقعة تدعى « حش كوكب » كان اليهود يدفنون فيها موتاهم ، وإذا كان لمعاوية فضل على عثمان فهو في هدم الحائط الذي يفصل بين « البقيع » و « حش كوكب » والحاق الأخيرة بمقبرة المسلمين .



*** *** ***


(1) نيار بن عياض .
(2) تحركت بالفعل جيوش شامية بقيادة حبيب بن مسلمة الفهري ولكنها رابطت في منطقة الجرف قريباً من المدينة ، ولم تتقدم أكثر بأوامر شخصية من معاوية ، وعادت إلى دمشق تحمل قميص عثمان !!





كونوا هنا .. فهناك بقية !!


من مواضيعي

0 بيبي شطيطه والامام الكاظم عليه السلام
0 هل تستطيع العيش في غرفة واحدة ؟ شاهد الصور لتعرف !
0 متى تكون المرأة زوجاً ومتى لا تكون في القرآن الكريم ؟
0 رخصة قيادة سعودية قبل 50 سنة‎ !
0 بحث في بحيرة ساوه وعلاقاتها بعلامات الظهور....


التوقيع :
.
.
شهر الحسين أقبلا

هبت به ريح البلا
فل نرتدي أحرامنا للحج نحو كربلاء
  رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة



الساعة الآن 12:16 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi