المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قصه مؤثرة ابكتني كثيرا ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟


الصراط
05-29-2010, 01:06 AM
:tears:السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


أكن جاوزت الثلاثين حين أنجبت زوجتي أوّل أبنائي.. ‏ما زلت أذكر تلك الليلة
.. ‏بقيت إلى آخر الليل مع الشّلة في إحدى الاستراحات.. ‏كانت سهرة
مليئة بالكلام الفارغ.. ‏بل بالغيبة والتعليقات المحرمة... ‏كنت أنا الذي أتولى في الغالب
إضحاكهم.. ‏وغيبة الناس.. ‏وهم يضحكون.
‏أذكر ليلتها أنّي أضحكتهم كثيراً.. ‏كنت أمتلك موهبة عجيبة في التقليد.. ‏بإمكاني
تغيير نبرة صوتي حتى تصبح قريبة من الشخص الذي أسخر منه.. ‏أجل كنت أسخر من هذا وذاك..
‏لم يسلم أحد منّي أحد حتى أصحابي.. ‏صار بعض الناس يتجنّبني كي يسلم من لساني.
‏أذكر أني تلك الليلة سخرت من أعمى رأيته يتسوّل في السّوق... ‏والأدهى أنّي وضعت قدمي
أمامه فتعثّر وسقط يتلفت برأسه لا يدري ما يقول.. ‏وانطلقت ضحكتي تدوي في السّوق..
‏عدت إلى بيتي متأخراً كالعادة.. ‏وجدت زوجتي في انتظاري.. ‏كانت في حالة يرثى لها.. ‏قالت
بصوت متهدج: ‏راشد.. ‏أين كنتَ ؟ قلت ساخراً: ‏في المريخ.. ‏عند أصحابي بالطبع
..
‏كان الإعياء ظاهراً عليها.. ‏قالت والعبرة تخنقها: ‏راشد… ‏أنا تعبة جداً .. ‏الظاهر أن موعد
ولادتي صار وشيكا ..‏سقطت دمعة صامته على خدها.. ‏أحسست أنّي أهملت زوجتي.. ‏كان المفروض أن أهتم بها وأقلّل من سهراتي.. ‏خاصة أنّها في شهرها التاسع
‏حملتها إلى المستشفى بسرعة.. ‏دخلت غرفة الولادة.. ‏جعلت تقاسي الآلام ساعات طوال..
‏كنت أنتظر ولادتها بفارغ الصبر.. ‏تعسرت ولادتها.. ‏فانتظرت طويلاً حتى تعبت.. ‏فذهبت
إلى البيت وتركت رقم هاتفي عندهم ليبشروني. ‏بعد ساعة.. ‏اتصلوا بي ليزفوا لي نبأ قدوم
سالم ذهبت إلى المستشفى فوراً.. ‏أول ما رأوني أسأل عن غرفتها.. ‏طلبوا منّي مراجعة الطبيبة
التي أشرفت على ولادة زوجتي. ‏صرختُ بهم: ‏أيُّ طبيبة ؟! ‏المهم أن أرى ابني سالم.
‏قالوا، أولاً راجع الطبيبة ‏دخلت على الطبيبة.. ‏كلمتني عن المصائب .. ‏والرضى بالأقدار
.. ‏ثم قالت: ‏ولدك به تشوه شديد في عينيه ويبدوا أنه فاقد البصر !!
‏خفضت رأسي.. ‏وأنا أدافع عبراتي.. ‏تذكّرت ذاك المتسوّل الأعمى الذي دفعته في السوق
وأضحكت عليه الناس. ‏سبحان الله كما تدين تدان
! ‏بقيت واجماً قليلاً.. ‏لا أدري ماذا أقول.. ‏ثم تذكرت زوجتي وولدي .. ‏فشكرت الطبيبة
على لطفها ومضيت لأرى زوجتي ..‏لم تحزن زوجتي.. ‏كانت مؤمنة بقضاء الله..
‏راضية. ‏طالما نصحتني أن أكف عن الاستهزاء بالناس.. ‏كانت تردد دائماً، لا تغتب الناس ..
‏خرجنا من المستشفى، وخرج سالم معنا. ‏في الحقيقة، لم أكن أهتم به كثيراً. ‏اعتبرته
غير موجود في المنزل. ‏حين يشتد بكاؤه أهرب إلى الصالة لأنام فيها. ‏كانت زوجتي تهتم
به كثيراً، وتحبّه كثيراً. ‏أما أنا فلم أكن أكرهه، لكني لم أستطع أن أحبّه !
‏كبر سالم.. ‏بدأ يحبو.. ‏كانت حبوته غريبة.. ‏قارب عمره السنة فبدأ يحاول المشي.. ‏فاكتشفنا
أنّه أعرج. ‏أصبح ثقيلاً على نفسي أكثر. ‏أنجبت زوجتي بعده عمر وخالداً.
‏مرّت السنوات وكبر سالم، وكبر أخواه. ‏كنت لا أحب الجلوس في البيت. ‏دائماً مع أصحابي.
‏في الحقيقة كنت كاللعبة في أيديهم ..‏لم تيأس زوجتي من إصلاحي. ‏كانت تدعو لي
دائماً بالهداية. ‏لم تغضب من تصرّفاتي الطائشة، لكنها كانت تحزن كثيراً إذا رأت إهمالي لسالم
واهتمامي بباقي إخوته.‏كبر سالم وكبُر معه همي. ‏لم أمانع حين طلبت زوجتي تسجيله في أحدى المدارس الخاصة بالمعاقين. ‏لم أكن أحس بمرور السنوات. ‏أيّامي سواء .. ‏عمل ونوم وطعام وسهر.
‏في يوم جمعة، استيقظت الساعة الحادية عشر ظهراً. ‏ما يزال الوقت مبكراً بالنسبة لي.
‏كنت مدعواً إلى وليمة. ‏لبست وتعطّرت وهممت بالخروج. ‏مررت بصالة المنزل فاستوقفني منظر
سالم. ‏كان يبكي بحرقة! ‏إنّها المرّة الأولى التي أنتبه فيها إلى سالم يبكي مذ كان طفلاً. ‏عشر سنوات مضت، لم ألتفت إليه. ‏حاولت أن أتجاهله فلم أحتمل. ‏كنت أسمع صوته ينادي أمه وأنا في الغرفة.
‏التفت ... ‏ثم اقتربت منه. ‏قلت: ‏سالم! ‏لماذا تبكي؟! ‏حين سمع صوتي توقّف عن البكاء. ‏فلما شعر
بقربي، بدأ يتحسّس ما حوله بيديه الصغيرتين. ‏ما بِه يا ترى؟! ‏اكتشفت أنه يحاول الابتعاد
عني!! ‏وكأنه يقول: ‏الآن أحسست بي. ‏أين أنت منذ عشر سنوات ؟! ‏تبعته ...
‏كان قد دخل غرفته. ‏رفض أن يخبرني في البداية سبب بكائه. ‏حاولت التلطف معه .. ‏بدأ سالم يبين
سبب بكائه، وأنا أستمع إليه وأنتفض. ‏أتدري ما السبب!! ‏تأخّر عليه أخوه عمر، الذي اعتاد أن يوصله إلى المسجد. ‏ولأنها صلاة جمعة، خاف ألاّ يجد مكاناً في الصف الأوّل.
‏نادى عمر.. ‏ونادى والدته.. ‏ولكن لا مجيب.. ‏فبكى. ‏أخذت أنظر إلى الدموع تتسرب من عينيه المكفوفتين.
‏لم أستطع أن أتحمل بقية كلامه. ‏وضعت يدي على فمه وقلت: ‏لذلك بكيت يا سالم !!..
‏قال: ‏نعم .. ‏نسيت أصحابي، ونسيت الوليمة وقلت: ‏سالم لا تحزن. ‏هل تعلم من سيذهب بك اليوم إلى المسجد؟
قال: ‏أكيد عمر .. ‏لكنه يتأخر دائماً ..‏قلت: ‏لا .. ‏بل أنا سأذهب بك ..‏دهش سالم .. ‏لم يصدّق. ‏ظنّ أنّي أسخر منه. ‏استعبر ثم بكى. ‏مسحت دموعه بيدي وأمسكت يده. ‏أردت أن أوصله بالسيّارة. ‏رفض قائلاً: ‏المسجد قريب... ‏أريد أن أخطو إلى المسجد - ‏إي والله قال لي ذلك.‏لا أذكر متى كانت آخر مرّة دخلت فيها المسجد،
لكنها المرّة الأولى التي أشعر فيها بالخوف والنّدم على ما فرّطته طوال السنوات الماضية.
‏كان المسجد مليئاً بالمصلّين، إلاّ أنّي وجدت لسالم مكاناً في الصف الأوّل. ‏استمعنا
لخطبة الجمعة معاً وصلى بجانبي... ‏بل في الحقيقة أنا صليت بجانبه ..
‏بعد انتهاء الصلاة طلب منّي سالم مصحفاً. ‏استغربت!! ‏كيف سيقرأ وهو أعمى؟ كدت أن أتجاهل
طلبه، لكني جاملته خوفاً من جرح مشاعره. ‏ناولته المصحف ...
‏طلب منّي أن أفتح المصحف على سورة الكهف. ‏أخذت أقلب الصفحات تارة وأنظر في الفهرس تارة ..
‏حتى وجدتها.‏أخذ مني المصحف ثم وضعه أمامه وبدأ في قراءة السورة ... ‏وعيناه مغمضتان ... ‏يا الله !!
‏إنّه يحفظ سورة الكهف كاملة!!‏خجلت من نفسي. ‏أمسكت مصحفاً ... ‏أحسست برعشة في أوصالي... ‏قرأت وقرأت.. ‏دعوت الله أن يغفر لي ويهديني. ‏لم أستطع الاحتمال ... ‏فبدأت أبكي كالأطفال.
‏كان بعض الناس لا يزال في المسجد يصلي السنة ... ‏خجلت منهم فحاولت أن أكتم بكائي. ‏تحول البكاء إلى نشيج وشهيق ...‏لم أشعر إلا ّ بيد صغيرة تتلمس وجهي ثم تمسح عنّي دموعي. ‏إنه سالم !! ‏ضممته إلى صدري... ‏نظرت إليه. ‏قلت في نفسي... ‏لست أنت الأعمى بل أنا الأعمى، حين انسقت وراء فساق يجرونني إلى النار.‏عدنا إلى المنزل. ‏كانت زوجتي قلقة كثيراً على سالم، لكن قلقها تحوّل إلى دموع حين علمت
أنّي صلّيت الجمعة مع سالم ..‏من ذلك اليوم لم تفتني صلاة جماعة في المسجد. ‏هجرت رفقاء السوء ..
‏وأصبحت لي رفقة خيّرة عرفتها في المسجد. ‏ذقت طعم الإيمان معهم. ‏عرفت منهم أشياء ألهتني عنها الدنيا. ‏لم أفوّت حلقة ذكر أو صلاة الوتر. ‏ختمت القرآن عدّة مرّات في شهر. ‏رطّبت لساني بالذكر لعلّ الله يغفر لي غيبتي وسخريتي من النّاس. ‏أحسست أنّي أكثر قرباً من أسرتي. ‏اختفت نظرات الخوف والشفقة التي
كانت تطل من عيون زوجتي. ‏الابتسامة ما عادت تفارق وجه ابني سالم. ‏من يراه يظنّه ملك الدنيا وما فيها. ‏حمدت الله كثيراً على نعمه.‏ذات يوم ... ‏قرر أصحابي الصالحون أن يتوجّهوا إلى أحدى المناطق البعيدة للدعوة. ‏تردّدت في الذهاب. ‏استخرت الله واستشرت زوجتي. ‏توقعت أنها سترفض... ‏لكن حدث العكس !
‏فرحت كثيراً، بل شجّعتني. ‏فلقد كانت تراني في السابق أسافر دون استشارتها فسقاً وفجوراً.‏توجهت إلى سالم. ‏أخبرته أني مسافر فضمني بذراعيه الصغيرين مودعاً...‏تغيّبت عن البيت ثلاثة أشهر ونصف، كنت خلال
تلك الفترة أتصل كلّما سنحت لي الفرصة بزوجتي وأحدّث أبنائي. ‏اشتقت إليهم كثيراً ... ‏آآآه كم اشتقت
إلى سالم !!
‏تمنّيت سماع صوته... ‏هو الوحيد الذي لم يحدّثني منذ سافرت. ‏إمّا أن يكون في المدرسة أو المسجد
ساعة اتصالي بهم.‏كلّما حدّثت زوجتي عن شوقي إليه، كانت تضحك فرحاً وبشراً، إلاّ آخر مرّة هاتفتها فيها.
‏لم أسمع ضحكتها المتوقّعة. ‏تغيّر صوتها ..‏قلت لها: ‏أبلغي سلامي لسالم، فقالت: ‏إن شاء الله ... ‏وسكتت...
‏أخيراً عدت إلى المنزل. ‏طرقت الباب. ‏تمنّيت أن يفتح لي سالم، لكن فوجئت بابني خالد الذي لم يتجاوز الرابعة من عمره. ‏حملته بين ذراعي وهو يصرخ: ‏بابا .. ‏بابا .. ‏لا أدري لماذا انقبض صدري حين دخلت البيت.
‏استعذت بالله من الشيطان الرجيم ..
‏أقبلت إليّ زوجتي ... ‏كان وجهها متغيراً. ‏كأنها تتصنع الفرح.‏تأمّلتها جيداً ثم سألتها: ‏ما بكِ؟قالت: ‏لا شيء .
‏فجأة تذكّرت سالماً فقلت .. ‏أين سالم ؟خفضت رأسها. ‏لم تجب. ‏سقطت دمعات حارة على خديها...
‏صرخت بها ... ‏سالم! ‏أين سالم ..‏؟لم أسمع حينها سوى صوت ابني خالد يقول بلغته:
‏بابا ...
‏ثالم لاح الجنّة ...
‏عند الله...
‏لم تتحمل زوجتي الموقف. ‏أجهشت بالبكاء. ‏كادت أن تسقط على الأرض، فخرجت من الغرفة.
‏عرفت بعدها أن سالم أصابته حمّى قبل موعد مجيئي بأسبوعين فأخذته زوجتي إلى المستشفى
.. ‏فاشتدت عليه الحمى ولم تفارقه ... ‏حين فارقت روحه جسده ..
‏إذا ضاقت عليك الأرض بما رحبت، وضاقت عليك
نفسك بما حملت فاهتف ... ‏يا الله
إذا بارت الحيل، وضاقت السبل، وانتهت الآمال،
وتقطعت الحبال، نادي ... ‏يا الله
لا اله الا الله رب السموات
السبع ورب العرش العظيم


تحياتي للجميع

دانه
06-18-2010, 03:14 AM
قصة حزينة جدا
مشكورة الصراط